20 سبتمبر 2025
تسجيلعند الحديث عن البدايات الكتابية في قطر، تتبادر إلى الذاكرة أسماء عدد من المبدعات اللواتي بدأن الكتابة في وقت مبكر من تاريخ الأدب العربي الحديث في هذه البلاد، ومن هذه الأسماء اسم فاطمة الكواري التي عملت في الصحافة، بعد أن اقتصر تعاون كل الفتيات في ذلك الوقت على التعاون من بعيد، وعندما خاضت فاطمة الكواري تجربة العمل الميداني الصحفي من خلال عملها في مجلة "العهد" في منتصف السبعينيات الميلادية، واجهت الكثير من التحديات الاجتماعية، فأصرت على تجاوزها وبنجاح، وبذلك كسرت تابوهات المحاذير التي كانت تسيطر على نظرة المجتمع لعمل المرأة في ميدان الصحافة الملغم بقناعات الرفض للنقد الاجتماعي، أو البوح الوجداني، وهما أمران شغلا حيزا كبيرا مما كان ينشر في تلك الفترة. وبهذه الخطوة الجريئة أصبحت فاطمة الكواري أول صحفية قطرية تمارس مهنة الصحافة بشكل مباشر وبتفرغ كامل لهذا العمل. فاطمة الكواري الصحفية كانت تملك طموحا أكبر، فوجدت في الصحافة فرصتها لصقل موهبتها الإبداعية، من خلال ما نشرته من نصوص وجدانية، كانت تعكس تلك المشاعر التي تعتمل في نفس الفتاة الطموحة التي تصر على الخروج إلى آفاق إنسانية أكثر اتساعا واستيعابا لطموحاتها، وأكثر استجابة لرؤيتها وفلسفتها في الحياة، وهذا ما ظهر بعد ذلك فيما نشرته من قصص قصيرة لفتت الأنظار إليها، ودفعت بها إلى الصفوف الأولى لتجايل من سبقها في ممارسة الكتابة السردية في قطر.. لا لتحمل فقط همها الذاتي معلنة رفضها لكل المحبطات، ولكن لتحيل أيضا هذا الهم الذاتي إلى هم إنساني بكل ما يحمله من معاناة مع الذات والواقع، ومع الإبداع والوجود، وبكل ما يفضي إليه من انتصارات وهزائم هي ملح الحياة وسر الانتماء إليها، والشعور بتناقضاتها عندما تصفو حينا وتتعكر حينا آخر.. وبين هذا وذلك يبقى الأمل وقودا لمواصلة رحلة الحياة بكل ما فيها من سيئ وحسن. وعندما أصدرت فاطمة الكواري مجموعتها القصصية الأولى "بداية أخرى" عام 200م كانت قد تجاوزت مرحلة البدايات، ورسخت أقدامها في مجال الكتابة السردية، وقد حملت المجموعة بقصصها التي بلغت (11) قصة.. هموم المرأة والرجل على السواء، وهي لم تنتصر لبنات جنسها مقابل الإساءة للطرف الآخر، كما تفعل بعض الكاتبات، بل تركت لظروف القصة ومكوناتها الحكم على شخصياتها سلبا أو إيجابا، واستطاعت بلغة أدبية أنيقة أن تكثف لحظات المعاناة حد الشفافية والصدق الفني الذي يحيل النص إلى انسيابية حميمة يشعر بها المتلقي دون عنت في تعامله مع النص، وقصص المجموعة هي: بقايا جسد، الانتقام المر، شركاء إلى الأبد، شطحات حلم، نقطة البداية، حبة القلب، اللافندر الذي تحبين، المتطفل، الرحلة الخيرة، الألبوم القديم، بداية أخرى، وهي القصة التي حملت المجموعة عنوانها، وهي قصة يمكن الاستدلال بها على ما تتسم به قصص المجموعة من تكثيف ولغة شاعرية سلسة، والتزام صارم بالابتعاد عن الترهل والإسهاب وما يفسد التلاحم في لغة القص، خاصة في مجال القصة القصيرة التي لا تحتمل أية إضافة في غير محلها، ونقرأ في قصة "بداية أخرى" حدثا بسيطا قدمته المبدعة فاطمة الكواري باحترافية عالية، والحدث عبارة عن تعرض طائرة لخلل فني أرغم طيارها على الهبوط بها في مكان آخر، وتركز القصة على معاناة الركاب منذ إعلان الطيار عن الخلل الفني وحتى هبوط الطائرة، وهذا جزء من تصويرها لهذه المعاناة: (سيطر الضباب على عناقيد الأمنيات المعلقة بسقف الأفق.. انتصب الرجاء في بوتقة الرغبة.. فانصهرت بدواخل الوجود.. لا أحد يرغب المغادرة بطريقة المباغتة.. تلألأت الدموع.. وتجمعت تحسبا للانحدار من مآقيها.. متوسلة صمام السلامة بالثبات.. تسللت تنهدات مولعة بعبق الحياة.. تواقة للهبوط في كل محطاتها.. نبشت ذاكرة رفيق رحلتي وحياتي بسؤال ثمل من جملة أسئلة ارتعدت أمام بوابة الإجابة المغلقة على سطح مخيلتي.. عندما برزت منه نتوءات مدببة من الهلع: ـ ترى من سيظلل تلك الطيور المنتظرة، لو لم نعد بعد رحيلنا؟ سؤال صعب يختصر مأساة الإنسان مع الوجود. إذا تحول هذا السؤال إلى اتجاه آخر.. عندما تكون الرحلة غير الرحلة، والطيور المنتظرة غير الطيور. حينها يكون التصميم هو السلاح الفعال لمواجهة الواقع. [email protected]