14 سبتمبر 2025
تسجيلفي عام 656 هجرية سقطت بغداد حاضرة الإسلام وعاصمة الخلافة العباسية بيد التتار الهمج، وأزالوا الخلافة العباسية من على سطح الأرض، وأوقعوا مآسي ينفطر لها القلب، واعملوا في المسلمين السيف حتى أبادوهم عن بكرة أبيهم، ولم ينج منهم إلا القليل الذين اختبأوا في المجاري والمقابر ثم ماتوا هم أيضاً بعد ذلك؛ بسبب انتشار الطاعون والأوبئة ؛ جراء نزول المطر على جثث المسلمين المتكدسة فوق الطرقات. وحين تستعرض سقوط بغداد وما حل بالمدينة من الخراب والدمار، يراودك تساؤل أين كانت قيادة العالم الإسلامي من هذا كله؟، وكيف بلغ الانحدار بالمسلمين هذا المبلغ؟ حتى أن المرأة المغولية كانت تقول للجماعة من الرجال المسلمين: ابقوا هنا سأذهب لأحضر زوجي حتى يذبحكم، فيبقون في أماكنهم كالخراف، عاجزين حتى عن الهرب! فيأتي المغولي ويذبحهم واحداً واحداً وهم ينظرون لا يستطيعون عمل شيء. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن لسنا هنا لنستعرض الحدث نفسه برغم عظمه، ولا لنستعرض ما بعد الحدث أيضاً، ولا حتى كيف نجا المسلمون من هذا الشر المستطير، بل لكي ندرس الأسباب التي أدت إلى ذلك الحدث العظيم نفسه. والحقيقة أنه لم تكن القيادة العباسية وقتها على قدر الحدث، فقد سبق سقوط بغداد العديد من الإرهاصات والأحداث التي كان يمكن لها أن تستثمرها لصالح المسلمين، وتجنبهم هذا المصاب الجلل، بل وتحافظ هي على وجودها ولكن قدر الله وما شاء فعل. فقد خرج التتار بقيادة جنكيزخان، وأخذت هذه القوة الصاعدة تتفاقم وتنتشر حتى عام 616 هـ، حين بدأ احتكاكهم الشرس بالعالم الإسلامي بعبورهم نهر جيحون وحرب الدولة الخوارزمية (قبل الاجتياح بأربعين سنة)، ويعتبر هذا جرس الإنذار الأول للقيادة الغافلة؛ لأن المغول بعد انتصارهم، قاموا بتدمير مدينة بخارى تدميراً كاملاً، فقتلوا جميع أهلها ولم ينج منهم أحد حتى القطط والكلاب! ثم أحرقوا كل بيوتها ومساجدها ومنشآتها حتى اختفت المدينة العظيمة من على وجه الأرض، والقيادة العباسية تسمع وترى وكأن شيئاً لم يكن!. ثم أيضاً رأت الخلافة جيوش التتار وهي تنتزع من الدولة الخوارزمية الأجزاء الكبيرة وتنهشها قطعة قطعة، ثم رأت هولاكو ابن جنكيز خان وهو يُعد العدة لغزوهم، ويجهز الجيوش وينفق الأموال، ويعقد التحالفات حتى بلغ به الإعداد والتجهيز إلى أنه منع الرعي في طريق الجيش التتري؛ حتى تنبت الأعشاب والحشائش في الطريق، فترعى خيول الجيش، وذلك من قراقورم عاصمة التتار في منغوليا إلى بغداد في العراق، وأخذ منه الوقت عدة سنوات ليكتمل تجهيز جيشه، فانظر للإعداد والتجهيز العجيب المرعب للعدو، ثم انظر في المقابل إلى رد فعل القيادة الإسلامية تجاه هذا كله. استمرت القيادة بالتغافل إلى أن تطورت الأحداث، والخليفة يتغافل عنها والتتار يزدادون استعداداً لها، حتى وصل الأمر إلى أن أحاط التتار بدار الخلافة وحاصروها، ثم أخذوا يرمونها بالنشّاب من كل جانب، فاصيبت جارية للخليفة اسمها عرفة كانت ترقص له وتسليه، فقتلها سهم للتتار جاء من بعض شبابيك القصر، فانزعج الخليفة جداً واحضروا له السهم الذي قتلها، فإذا مكتوب عليه: إذا أراد الله إنفاذ أمره وقضائه سلب ذوي العقول عقولهم. فانظر إلى (ولي أمر المسلمين) كيف كان يتعامل مع الأمور بهذه السذاجة، فيما كانت الأحداث الجسام تدور حوله وهو يسهر الليل مع الجواري كأنه في كوكب آخر؟. وإن كنت عزيزي القارئ تعجب لهذا التهاون والسذاجة المدمرة لدولة الخلافة، فمن حقك أيضاً أن تتساءل عن دور مجلس التعاون الخليجي وعن دوره في أزمة حصار قطر؟. وإني لأستحيي من الله أن أرى أجرجر حبلاً ليس فيه بعير