18 سبتمبر 2025

تسجيل

استمرار تنامي فجوة الثقة

23 سبتمبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أحسب أن للانتخابات البرلمانية التي جرت في العشرين من الشهر الجاري بالأردن مذاقا خاصا لسببين لا ثالث لهما: أولا، مشاركة الإخوان المسلمين وبقوة في الانتخابات (بعد مقاطعة آخر دورتين) الأمر الذي كان من الممكن أن يرفع من نسبة الاقتراع التي جاءت متواضعة جدا بشكل يعكس جليًّا انعدام ثقة الشارع الأردني بالبرلمان كمؤسسة كانت من المفروض أن تحقق معادلة توازن السلطات. وثانيا، جرت الانتخابات بعيدا عن الصوت الواحد الذي بقي الشماعة التي علقت عليها "المعارضة" ضعف الحياة السياسية في المملكة. فمنذ عام 1993 جرت الانتخابات في كل مرة وفقا لنظام الصوت الواحد المجزوء الأمر الذي بقي مثار جدل وبخاصة من قبل الحركة الإسلامية التي دائما ما طالبت بإلغائه.اللافت في الانتخابات ليس فقط انعدام البرامج الحقيقية التفصيلية لدى الغالبية الساحقة من المترشحين ولكن هناك مسألة أخرى غاية في الأهمية، فالشارع الأردني لم يأخذ الانتخابات على محمل الجد بدليل تواضع نسبة التصويت (٣٧٪)، فلم تتجاوز نسبة الاقتراع في العاصمة عمان عن ٢٢٪ ممن يحق لهم التصويت وكذلك انخفضت النسبة في المدن الكبرى مثل الزرقاء وإربد. طبعا لم يكن ذلك مفاجئًا بالنسبة للمراقبين والعارفين ببواطن الأمور ولم تفلح كل المحاولات التي بذلتها الدولة في إقناع الأردنيين الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية.استنكاف الأردنيين عن التصويت له ما يبرره من وجهة نظرهم، فوجود البرلمان وغيابه سيّان ما دام أن هناك مركزًا أمنيًا سياسيًا يقود البلد في أي اتجاه يريد، فالبرلمانات السابقة على مدار أكثر من عقدين من الزمان أخفقت بامتياز في كبح جماح الحكومة من الاستمرار في مسلسل إفقار الأردنيين إذ تحولت حكومة عبدالله النسور على سبيل المثال لا الحصر إلى مركز جباية لا هم لها سوى ابتداع وسائل جديدة لفرض الضرائب. وقد شعر الشارع الأردني أن البرلمان لم يفعل شيئا يذكر لإجبار الحكومة البحث في خيارات اقتصادية متاحة غير جيب المواطن. كما أن الغالبية الساحقة من أعضاء البرلمان في الدورات السابقة انفصلوا عن واقع الحياة الأردنية وانحازوا لمصالحهم الضيقة التي تطلب تحقيقها امتثالا غير مسبوق لكل ما هو رسمي. بمعنى آخر، قدم النواب في المجالس المتعاقبة مثالا سيئًا ما حوّل المجلس برمته إلى سبب من أسباب تفشي حالة من الإحباط الوطني وأضعف من قدرة الدولة والنخب على حشد التأييد وتعبئة الشارع وإقناعهم في جدوى العملية الانتخابية. وما استعانة الدولة بدائرة الإفتاء إلا مؤشر على معرفة الدولة المسبقة بأن الأردنيين لا يثقون في المجلس ولا في قدرة العملية الانتخابية في صنع الفارق.لكن ومع ذلك هناك نقاط مضيئة في الانتخابات الحالية، فالانتخابات كانت إلى حد كبير نزيهة ولم يعكر صفو العملية برمتها سوى عمليات شراء الأصوات التي تفشت ولم تتمكن الدولة من أو لم ترغب في وضع حد لهذه الظاهرة السيئة، وربما على الدولة أن تفكر في اجتراح طرائق جديدة لمكافحة عملية شراء الأصوات لأن كثيرا من النواب الذين استخدموا ما يسمى بـ"المال السياسي" سيكونون هم أنفسهم عرضة للبيع وسيقبلون بمقايضات مع السلطة التنفيذية لتمرير كل ما يلحق ضررا بمصالح المواطن العادي. فهؤلاء لا يشعرون أن الشارع هو مصدر شرعيتهم حتى يأخذوه بالحسبان وإنما أرصدتهم التي تمكنهم من استغلال حاجات الناس وشراء أصواتهم.ثانيا، هناك ما يزيد على أربع وأربعين نائبا فشلوا في الانتخاب وهذا دليل بأن الشارع يلفظهم لأدائهم السيىء، وربما ينبغي التركيز على هذه النقطة لعل النواب الحاليين يتعظون ويضعون مصالح الشعب والدولة في الحسبان عوضا عن دس رؤوسهم في رمال الحكومة والمركز الأمني السياسي.بكلمة، لا يمكن المراهنة على المجلس الحالي في استعادة ثقة المواطن الأردني في هذه المؤسسة المهمة، فبعد مرور أكثر من عقدين من امتثال المجالس المتعاقبة للحكومة وعجزها عن وضع حد لتغول الحكومات فإن معجزة فقط يمكن لها أن تساعد المجلس الحالي على تغيير الصورة النمطية السلبية عن المجلس والنواب معا. وينبغي على الدول العميقة في الأردن التفكير ملياّ في أبعاد استمرار تزايد فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية. فالاستقرار يستلزم أن تولي السلطات الأردنية اهتماما بالغا لهذه المؤسسات ومكانتها التي تراجعت في العقد والنصف الأخير عند الأردنيين.