11 سبتمبر 2025

تسجيل

إطلالة على ثورات الربيع العربي

23 سبتمبر 2013

أطل على أقطار ثورات الربيع فأراها مشتعلة. ممزقة من الداخل زاخرة بالنيران الشديدة التوهج. معبأة بالاحتقان الذي ما إن يتوقف حتى يبدأ من جديد. وإليكم التجليات: أولا: في أغلب دول هذه الثورات التي هبت على المنطقة في مطلع العام 2011 ثمة حروب واقتتال داخلي وصراع على السلطة وعدم يقين بالديمقراطية وتحديدا في تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم سوريا. وغيرها من دول انطفأت فيها جذوة الثورة مبكرا ربما لعدم امتلاكها المقومات الحقيقية لاندلاعها واستمرارها وتلك وضعية مخيفة تجعل من فعل الثورة يأتى بنتائج عكسية. فأشواق الشعوب في هذه البلدان كانت تنزع إلى تحقيق الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية والخبز والحرية وغيرها من مطالب سكنت قلوب الجماهير سنوات طويلة وعندما حان أوان قطفها بعد الثورات الشعبية فوجئت الجماهير بتجميد هذه الأشواق أو بمعنى آخر دفعها إلى خانة الصمت بعد أن سيطرت على مقدرات الأمور قوى تلبست الرداء الإسلامي. لكنها لم تمتلك القدرة على التغيير والتجاوب مع هذه الأشواق. وركزت جهودها على تثبيت أركانها وحضورها القوى بمفاصل الدولة والمؤسسات المختلفة سعيا لما يعرف بالتمكين وهو مشروع حلم لدى هذه القوى دون أن تدرك أن الوصول إلى التمكين من السهولة بمكان لو امتلكت أفقا واسعا. وفضاء رحبا للتعامل مع مشكلات الواقع والعمل على إيجاد حلول لها خاصة التي يئن منها المواطن البسيط الذي ستشكل وما زال وقود الثورة . بدلا من التركيز على ما وصفته في حوار مع التلفزيون المصري في زمن مرسى بالقضايا الميتافيزيقية أي التي تتجاوز الواقع ثانيا: في دول ما يسمى بثورات الربيع العربي انطلقت القيم السلبية من عقالها. فعوضا عن التسامح تجلى الانتقام والثأر وبدلا من التوحد والتوافق الوطنى ظهر التشظي والانقسام في أسوأ صوره وهيمن على المشهد السياسي مبدأ الإقصاء وربما الاستئصال. وهو ما نراه واضحا في النموذج الليبي والذي ما زالت تسيطر عليه القوى الميليشاوية التي تمكنت كل واحدة منها من الهيمنة على إقليم أو منطقة أو حقل بترول بل إن إحدى هذه الميليشيات بادرت بالاتصال بجهات أجنبية لتتفق معها على تصدير إنتاج حقول النفط التي تحكمها قبضتها العسكرية القوية. ورأينا محاولات إقليم بني غازي الذي شهد انطلاقة ثورة السابع عشر من فبراير للحكم الذاتي والتي أعلن أخرها قبل فترة وجيزة وهو ما يهيئ البلاد للدخول في مربع التفتيت وفى مصر التي أنتمي إليها وأتابع أحوالها التي توجعني. ما زال الانقسام سيد المشهد. ولا تلوح في الأفق بوادر مقاربة حقيقية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في ظل تمترس كل طرف خلف موقفه المعلن وما زالت جماعة الإخوان المسلمون والجماعات المتحالفة معها تصب الزيت على النار. وما زالت السلطة الجديدة تمارس سياسة القبضة الحديدية لإجهاض تحركات الجماعة وإفشال مخططاتها. وهو أمر جعل البلاد في حالة استنفار أمني مع استمرار حظر التجوال رغم تخفيف ساعاته من منتصف الليل حتى الساعة الخامسة صباحا اعتبارا من أمس الأول السبت ثالثا: إن دول الربيع العربي بدلا من أن تخطو في اتجاه التخلي عن النظم الاستبدادية التي سادت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة تمهيدا لبناء أنساق ديمقراطية تتقاطع مع الخصوصية العربية. انشغلت بالجدل حول أولويات تحقيق هذه الديمقراطية وسبل تكريسها في الواقع بعد أن ظلت بمنأى عن ذهنية النخب الحاكمة بل عن ذهنية المواطن الذي دفع دفعا للتفكير في كيفية الحصول على لقمة الخبز وقيمة زجاجة الحليب لطفل رضيع وثمن دواء رخيص لمريض من أسرته. مما صنع مسافة بينه وبين هذا الكائن الهلامي المسمى الديمقراطية. وعندما حان أوان البدء في صياغة مساراتها بعد هذه الثورات كاد أن يكفر بها فباسمها صعدت جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة وأخذت تركز على الاستحواذ على مؤسساتها متجاوزة أٍساليبها. وجاءت معظم الانتخابات التي جرت في أقطار الربيع العربي بوجوه كارهة للديمقراطية معلنة أنها ستمكث مهيمنة على المشهد لمئات السنوات وهو ما جرى في مصر عندما أبلغ الرئيس المعزول محمد مرسى الفريق أول عبد الفتاح السيسي وهو يحاوره على خيار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. إن الإخوان سيبقون في السلطة لمدة 500 عام وذلك تصور كارثي لاينبئ عن قناعة حقيقية بمبدأ تداول السلطة وهو المبدأ الذي يعكس أهم قيمة سياسية توصلت إليها الحضارة الحديثة وبدا المشهد في مصر وكأنما حلت جماعة "الإخوان المسلمون "محل الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم لأكثر من أربعة عقود منذ زمن أنور السادات ثم تكرست نزعته الديكتاتورية بشكل أكثر عنفا وعمقا في زمن مبارك. رابعا: عبرت ثورات الربيع العربي عن أشواق الأغلبية في مقاربة حلول ناجزة لمعضلاتها الاقتصادية والاجتماعية. وبعد ما يقرب من السنوات الثلاث فإن هذه المقاربة لم تتحقق على النحو الذي يتفاعل مع هذه الأشواق وهى إشكالية ما زالت قائمة رغم تغيير الحكومات. ولكن يبدو لافتا أن الأدوات التي كانت تتحرك بمقتضاها الحكومات الاستبدادية في التعامل مع هذه المعضلات ما زالت هي القابضة على الأمور لم تتغير. بل إن بعض القطاعات ما زالت تشهد تفاقما مثل قطاع السياحة والقطاع الصناعي والقطاعي الخدماتي ولعل أنموذج مصر وتونس واليمن ولبيبا إلى حد ما يقدم الدليل الواضح على رداءة هذا الجانب والأهم فقد شهد التضخم ارتفاعا غير مسبوق في هذه البلدان مما جعل الفقراء مستمرين في خانة الشكوى والأنين وهو أمر يستوجب أن تتنبه اليه الحكومات الثورية حتى لا تفقد الزخم الجماهيري المساند لها خامسا: هل رأيتم مثل هذه الفوضى التي انتشرت بشكل أخطبوطي في معظم بلدان ثورات الربيع العربي والتي تأخذ أشكال الفوضى الأمنية والفوضى الاجتماعية وفوضى الشارع وفوضى الحياة بكاملها فعلى سبيل المثال وأنا هنا أتحدث عن عاصمة المحروسة. فهي لم تعد القاهرة التي نعرفها ونعشقها بعد أن غيبت عن سطوة القانون والدولة وخضعت شوارعها وميادينها لهيمنة الباعة الجائلين الذين حولوا أشهر شوارع وسط البلد والتي كانت تتمتع بنظافتها وسلاستها ودرجة تحضرها الرفيعة المستوى إلى أسواق شعبية وضاقت حركة السيارات وشخصيا أكابد يوميا من جراء ذلك في الوصول إلى مقر عملى بجريدة الأهرام بشارع الجلاء رغم قرب مقر سكنى بالجيزة. والأمر ذاته يحدث في تونس وفي اليمن وفي ليبيا على نحو ربما أكثر شططا وهو ما يعني أن تسارع الحكومات إلى فرض هيبة القانون والدولة فالثورة لا تعني مطلقا حالة خصام مع هذه الهيبة. السطر الأخير: أينما كنت أينما سافرت أينما بنيت أعشاشك بمنأى عنى فأنت لي كيانك يسكنني قسماتك الوضاءة تلهمني أترقب أيا طفلتي باقة ورد من عينيك تهدهدني