15 سبتمبر 2025
تسجيلفي مثل هذا الشهر من عام 2008 تفجرت الأزمة المالية العالمية والتي لا زالت تداعياتها تتوالى، وذلك رغم الإمكانيات الهائلة التي سخرت في الغرب والشرق لحلها ورغم عصارة أفكار أفضل اقتصاديي ومفكري العالم لإيجاد حلول عملية بالاستعانة بمختلف النظريات الاقتصادية المعروفة، إلا أن الأمور تزداد تعقيدا بين فترة وأخرى متقلبة بين التفاؤل والتشاؤم في عملية قيصرية مكلفة. ومع أن أحدا لم يدع، بأنه يملك حلولا سحرية تتلاشى معها الأزمة وترسباتها المؤلمة، إلا أن البحث عن مخرج لا زال الشغل الشاغل لمتخذي القرار في العالم، خصوصا وأن أية حلول سوف لا تقتصر على الجوانب الإيجابية، بل سترافقها جوانب سلبية ربما تساهم في المزيد من المصاعب والتعقيدات إذ لم تنفذ وفق الرؤى المقررة. وهنا يمكن الإشارة إلى أهم اتجاهين عالميين في معالجة الأزمة المالية وتداعياتها، الأول هو منهج الاتحاد الأوروبي والكامن أساسا في سياسات التقشف الصارمة والهادفة إلى تقليص العجز في الموازنات الحكومية وتخفيض الديون السيادية، وهي المسائل الأساسية التي تواجه البلدان الأعضاء في المجموعة الأوروبية. أما الاتجاه الآخر، فإنه الاتجاه الأمريكي والذي يتمحور حول أسلوب التسيير الكمي الذي اتبعه بنك الاحتياط الفيدرالي منذ بداية الأزمة في عام 2008 والذي بموجبه يتم طبع أوراق الدولار دون سند مالي أو اقتصادي مهني، حيث تم طبع 1.7 ترليون دولار في الجولة الأولى ومن ثم 600 مليار دولار في الجولة الثانية الممتدة من نوفمبر 2010 ويوليو 2011 وتقرر مؤخرا أن تبدأ الجولة الثالثة في شهر سبتمبر الجاري وبمعدل 40 مليار دولار شهريا. والحقيقة أنه لكل من الاتجاهين إيجابياته وسلبياته، فالاتجاه الأوروبي الخاص بالتقشف أوجد تذمرا اجتماعيا واسعا وأثر في مستويات الناس المعيشية ورفع من معدل البطالة في البلدان الأوروبية، علما بأن تأثيراته على خفض عجز الميزانية والقروض السيادية لا زال محدودا وبحاجة إلى بعض الوقت حتى تتحقق بعض التائج، علما بأن الاتحاد الأوروبي لجأ إلى سياسة التسيير الكمي ولكن في حدود ضيقة جدا. ومع أن الاتجاه الأمريكي لم تترتب عليه قلاقل اجتماعية، إلا أنه زاد من معدلات التضخم التي طالما عمل بنك الاحتياط الفيدرالي على محاربته، في الوقت الذي توفرت من خلاله المزيد من فرص العمل، وهو ما كانت تسعى إليه إدارة الرئيس باراك أوباما لتحسين حظوظه الانتخابية، إلا أن نتائجه على المدى البعيد ستكون وخيمة، وذلك على عكس التوجه الأوروبي المعتدل. وضمن هذه النتائج المتوقعة يتحدث بعض الاقتصاديين في الغرب عن إمكانية انهيار الدولار، إلا أن ذلك ربما يأتي ضمن المبالغة أو التأثير في الأسواق من باب اشعال المضاربات، فالدولار لا زال العملة العالمية الأولى، كما أن وضعه لا يخص الولايات المتحدة وحدها، وإنما يرتبط بمجمل الاقتصاد العالمي، بما فيها الأوروبي والصيني والياباني. يبقى هناك الثعلب الإنجليزي الماكر والذي مسك العصا من المنتصف وأخذ بالاتجاهين الأوروبي والأمريكي، فعمد إلى التقشف ولكن بحدود لا تثير الرأي العام، في الوقت الذي قام بنك إنجلترا المركزي بطباعة الجنيه ضمن مبدأ التسيير الكمي وفي الحدود التي لا تؤدي إلى رفع نسب التضخم بمعدلات عالية. من هنا نرى أن الاقتصاد البريطاني أفضل نسبيا من كل من الاقتصاد الأمريكي واقتصادات منطقة اليورو. لذلك ربما تكون الوصفة أو الخلطة الإنجليزية، هي الأقدر والأنسب لمواجهة تداعيات الأزمة، فهي تتيح تنشيط القطاعات الاقتصادية وتوفير المزيد من فرص العمل والحد من البطالة من خلال التسيير الكمي المنضبط، وفي نفس الوقت التحكم في عجز الموازنة والديون من خلال التقشف المحدود والمدروس بعناية. أما بقية بلدان العالم والتي تأثرت بالأزمة بنسب متفاوتة، فإن الأدوات النقدية المالية والاقتصادية المتاحة أمامها تعتبر محدودة، وذلك إذا ما استثنينا البلدان المصدرة للنفط والتي تتمتع بأوضاع مالية قوية ومستقرة بفضل ارتفاع أسعار النفط. وفي كل الأحوال، فإن حل القضايا والعالقة الخاصة بتداعيات الأزمة أو التقليل منها في بلدان المركز سوف تكون له انعكاسات إيجابية على اقتصاديات الأطراف وعلى الاقتصاد العالمي ككل في حالة نجاح الجهود المبذولة على المستوى العالمي.