01 نوفمبر 2025

تسجيل

العسكر والإخوان: انفجار الصراع المؤجل

23 أغسطس 2013

كان من المحتوم أن يقع الصدام بين المؤسسة العسكرية، التي تمثل النواة الصلبة للدولة العلمانية التي أنشأها محمد علي منذ أكثر من مائتي عام، وبين جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل النواة الصلبة للمجتمع المصري المسلم الذي يعادي بطبعه أية محاولات لإبعاد الدين عن حياته. حينما أنشأ محمد علي الجيش المصري كان يهدف إلى تحقيق غايتين: الأولى حماية الدولة العلمانية الجديدة في مواجهة المجتمع الإسلامي الذي كان يقوده علماء الأزهر في ذلك الوقت. والغاية الثانية تمثلت في استخدامه في توسيع جغرافيا الدولة الجديدة في كل الاتجاهات. ومع تطور الزمن، تقلصت الغايات إلى الغاية الأولى فقط مع وقوع الدولة المصرية تحت قهر الاحتلال البريطاني في عام 1882 الذي أعاد بناء الجيش المصري من جديد ليرسخ دوره في هذه الغاية، فضلا عن غايات جديدة تقضي على حركة المجتمع ضد الاحتلال. ومع وقوع انقلاب 1952 تحول الجيش المصري للمرة الأولى من وسيلة لحماية الدولة العلمانية، إلى قوة سياسية لها مصالح اقتصادية تقتضي القضاء على أية قوة سياسية أو اجتماعية يمكن أن تهدد وجوده أو مصالحه. ولذلك دخل في صدام دموي مع جماعة الإخوان التي نشأت من أجل مقاومة محاولات فصل المجتمع عن دينه. وقد ترتب على ذلك تلقي الجماعة ضربات شديدة أدت إلى تفكك إطارها التنظيمي لكن مع بقاء فكرتها سارية في المجتمع، حتى جاء عهد الرئيس الأسبق أنور السادات الذي منح الجماعة فرصة العودة مجددا وإعادة بناء التنظيم الذي اشتد عوده واستطاع تحمل كل الضربات التي وجهها له نظام مبارك فيما بعد. وبعد اندلاع ثورة يناير، كان من المتوقع أن يكون الصدام بين الجماعة والمؤسسة العسكرية هو المعركة الأولى التي تخوضها، لكن الجماعة حاولت تفادي هذا الصدام لأنها كانت تعلم أن تكلفته عالية ليس فقط عليها ولكن أيضا على المجتمع الجريح الذي لم يقف على قدميه بعد. ولذلك قررت الجماعة عدم الاستجابة لمطالبات البعض باستمرار الاعتصام بعد 11 فبراير 2011 ورفض عملية تسليم السلطة للمجلس العسكري. كما أنها رفضت الانضمام بشكل رسمي لأحداث محمد محمود والتي حاولت المؤسسة العسكرية استخدامها لجر الجماعة للصدام ومنع عملية تسليم السلطة من خلال إلغاء الانتخابات البرلمانية التي كانت على بعد أيام حينها. وفي مرحلة لاحقة حاولت المؤسسة تفجير الصدام مع الجماعة من خلال الإصرار على ترشيح شخص موالٍ لها في منصب رئيس الجمهورية، وهو ما دفع الجماعة إلى التخلي عن عهدها بعدم الترشح لهذا المنصب خوفا من عودة سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة كاملة، خاصة في ظل التعويق الذي تمت ممارسته ضد مجلس الشعب (الذي كانت تمثل الجماعة أغلبيته العددية) من أجل منعه من تحقيق أية إنجازات وهو ما كان يعني حرق شعبية الجماعة. ومع مجيء الرئيس محمد مرسي، ابن الجماعة إلى الحكم، حاولت الجماعة أن تهدئ من حدة الصراع مع المؤسسة العسكرية في إطار مخطط كان يقضي باتباع النموذج التركي لإبعاد العسكر عن حكم البلاد بشكل تدريجي ودون صدام دموي. لكن المؤسسة العسكرية تنبهت لذلك مبكرا، فبدأت للتخطيط من أجل إزاحة الجماعة، ليس فقط عن سدة الحكم ولكن أيضا عن الحياة السياسية تماما، بعد أن تأكدت أنه لا يمكن التعايش بينهما والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية. فقامت بتفجير الأزمات الحياتية لحرق شعبية الجماعة، ثم أنشأت حركة تمرد من أجل سحب الشرعية عنها وخلق ظهير شعبي يساند الانقلاب العسكري الذي خططت له على مدار ثمانية أشهر. وقد نجحت في تنفيذ ذلك والإطاحة بحكم الجماعة، ثم البدء في المرحلة التالية التي تتضمن إقصاء كامل لها من الحياة السياسية باستخدام إستراتيجية الصدمة والترويع من خلال القيام بمذابح غير مسبوقة ضد شبابها وقادتها وضد كل من يؤيدها من الشعب المصري، وهو ما ظهر في مذابح الحرس الجمهوري والمنصة وفض الاعتصام في رابعة العدوية والنهضة ورمسيس وغيرها. والسؤال الآن: هل تستطيع المؤسسة العسكرية تحقيق الهدف الذي فشلت فيه كافة الأنظمة السابقة في القضاء على جماعة الإخوان؟ أم أن الصدام الجاري بين الطرفين سيؤدي بدلا من ذلك إلى تفكيك الجيش المصري، خاصة بعد أن تحول إلى عدو لجزء كبير من أبناء الشعب المصري بعد سقوط أبنائهم وإخوانهم وأقربائهم شهداء برصاصه؟