15 سبتمبر 2025
تسجيللقد خلقنا اللهُ تعالى لغايةٍ سامية ومهمَّة عظيمة واضحة جلية، ومن عظيم فضله علينا أن منَّ علينا بالإسلام، وكرَّمنا باتباعه وحمل رسالته، وهذا الدين العظيم جاءت تعاليمه منظِّمَة لكل جوانب حياتنا على هذه الأرض، ومن أهم التعاليم والحقوق التي شدَّد عليها هذا الدين الحنيف حق الأخُوَّة في الإسلام. فالأخُوَّة نعمة عظيمة من الله تعالى، تُخفِّف عن الإنسان متاعب الحياة ومشقتها. وللأخُوَّة أنواع متعددة: أولها: الأخوة بالدم، وهي أخُوَّة القرابة والنسب. وثانيها: أخوَّة الدين والعقيدة، وهذا النوع هو المقصود معنا عند الحديث عن حق المسلم على أخيه المسلم، وتُعتبر أخُوَّة العقيدة أمتنَ وأقوى مِن أخوَّة النسب والقرابة والدم؛ وذلك لأنَّ أخُوَّة الدين والعقيدة مبنيَّة على روابط شديدة القوة وثيقة العُرى، فالمؤمنون جميعًا إخوةٌ، والأخُوَّة في العقيدة نعمة ومنحة من الله تبارك وتعالى يُغدِقها على عباده المؤمنين، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. وجاءت الأحاديث الواردة توضِّح أساس الأخوة في الإسلام، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». رواه البخاري. وحقوق المسلم على أخيه كثيرة وضَّحها الشرع وشدَّد عليها، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية: الحب في الله: وحقيقته ألا يزيد بالوُدِّ ولا ينقص بالجفاء، فلا يرتبط بالمصالح والمنافع، بل هو خالص لوجهه تعالى رجاءَ الفوز بظلِّ عرشه يوم القيامة. وصفاء القلب من الحقد والغل والحسد: هذه نقطة مهمة، ففي صلب الأخوة أن تحب الخيرَ لأخيك المسلم لا تحقد على نجاحه ولا تحسده على سعادته وتفوقه، فمحبة الخير والسعادة لأخيك المسلم لن تُنقِص من سعادتك شيئًا ولن تُنقِص من رزقك أيضًا، فينبغي عليك أن تدعو لأخيك المسلم بالبركة والتوفيق والسداد في كل أموره. ومن الحقوق كذلك التورُّع عن سبِّ أخيه، وشتمه، وغمزه، ولمزه، وغيبته: وهذا الحق لا يطبقه إلا المؤمنون المخلصون المُحِبون الصادقون، فللأسف الشديد نرى البعض من المسلمين يسارع بعضهم في سبِّ أخيه وغمزه ولمزه والتشهير به ومحاولة تشويه صورته ومكانته على أمور بسيطة. وهذا السلوك لا يليق بالمؤمن كما وضَّح الحديث الشريف، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء». وقد كثر في زمننا هذا وقوع المسلم في غيبة أخيه بدون سبب يُذكَر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والسنة النبوية فيها الكثير من الأدلة التي توضح هذا الحق وتنبِّه على الاهتمام به، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ». وهذا يدل على فضل الذَّبِّ عن أخيك المسلم. ومن أهم الحقوق التي يجب على المسلم التحلي بها مع إخوانه، إحسانُ الظنِّ بهم ونُصحهم بأسلوبٍ مناسبٍ عند اللزوم. والنصح مع الرفق والستر سبيل الناصحين المصلحين، أما النصح مع السبِّ والتشهير، فهو أسلوب المُغرضين، فمن حق المسلم على أخيه نُصرته ظالمًا أو مظلومًا، ووضح الحديث الشريف هذا المعنى حين قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»، فنصر المظلوم واضح، لكن نصر الظالم معناه: منعه وحجزه عن الظلم فهذا نصره. وكذلك من الحقوق ستره إن أخطأ ووقع في الزلل. ففي الحديث الشريف عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُربة من كُرَبَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». ومنها قبول عذره إن أخطأ والتماس الأعذار له في كل الأحيان، وكذلك قضاء حوائجه على قدر الاستطاعة، وتقديم العون له تصديقًا لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: ٢]. وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام: «... وَاللَّهُ تَعَالَى فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». فينبغي على المسلم أن يحقق الأخوة الحقيقية لإخوانه حتى نرقى بأخلاقنا وسلوكنا ونُقوي روابط المحبة والألفة والمودة فيما بيننا. نسأل الله تعالى أن يُيسِّر أمورنا، ويُطهِّر قلوبنا، ويُصلح ذات بيننا. اللهم لا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا. اللهم آمين.