03 نوفمبر 2025

تسجيل

حكمة الله في البلاء (3)

23 يوليو 2014

إن لم يستمسك العبد المؤمن بوصية الله له بالصبر والصلاة، ويشد يده عليها، كي يستعينَ بها على مغالبة البلاء، والثبات عنده، سيكون لا بد هلوعاً، لدى الشر جزوعاً، ومع الخير منوعاً، وما هذا من الحكمة ولا من العزيمة في شيء، وتأمل نُصح لقمان لابنه وهو يعظه، كما جاء في القرآن الكريم:(يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، وكما ترى في هذه الوصية، أن الأمر بالصلاة في أولها، والصبر في آخرها، وبينهما الميزان الذي يُقيم الخير والصلاح، ويحط الشر والفساد، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.لكل مؤمنٍ أن يُسَرَّ ويستبشر لما للاسترجاع، أي قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من ثوابٍ وعاقبة حسنة حميدة، عند كل مصيبة، وهو هَديٌ قرآنيّ ونبويّ، قال تعالى:(وبشّر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، وجعل الله لمن اهتدى به ونفّذه، جزاءً جزيلاً، وفضلاً جليلاً:(أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون)، أنظر وتأمل، إنها صلوات من الله لا صلاةٌ واحدة، أي عليهم ثناءٌ ومغفرةٌ، مراتٍ عدة، واحدةً بعد واحدة، أما لفظة الرحمة فقد جاءت مفردةً، وليست بصيغة الجمع (رحمات)؛ لأن رحمةً واحدةً من الله تكفي، إذ رحمته بعباده ليست كمثلها رحمة، فهو الرحمن الرحيم.بل إن النبي عليه الصلاة والسلام، يعلمنا أن نعود ألسنتنا الاسترجاع، على كل ما يسوؤنا وقعُ مصابه، صغيراً كان أو كبيراً، وإن قل شأنه، وهان خطبه، فقد جاء في الحديث، أن المصباح طُفئ عند رسول الله، فاسترجع فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما هذا المصباح- أي أمره هين- فقال:(كلُّ ما ساءَ المؤمنَ فهو مصيبةٌ)، والمغزى من ذلك، ما في قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من لجوءٍ إلى الله تعالى ينبغي أن يكون في كل الحالات والحاجات، واعترافٍ بالعبودية المطلقة لله، وأن الإنسان مملوك خاضع له سبحانه، يرجع إليه في كل أمره، كما يُرجع إلى السيد المطاع في الأمور، وفيه تعلق المؤمن فيما عند ربه، وتهوين شأن الدنيا في نفسه، وتحقيرها في عينه، وحبس لسانه عن كل ما لا يليق أن يتلفظ به من هُجْر القول وسيئه، كالشكوى والشتم واللعن ونحوها. كما ساق لنا الهادي البشير عليه الصلاة والسلام، بشرى وفضل ذلك القول، فجاء في الحديث الصحيح:(ما من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا آجره في مصيبته، وأخلف له خيراً منها). ولكن يبقى الأمر في الطريقة التي يقال بها الاسترجاع، التي ينبغي أن يحكمها أسلوب الهدوء والسكينة، لا أن تغلبها العصبية والتذمر، وأن يكون منبعثاً من نفسٍ مطمئنة صابرة محتسبة.هذا هو شأن المؤمن مع البلاء، حتى حُقَّ أن يعجب منه، وانظر قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، في الحديثين الآتيين، وأزل عن عينيك الغم، وسلِّ عن نفسك الهم، واعمل واجهد أن تكون مؤمناً حقاً فيصدقَ فيك الحديثان، الأول:(عجباً للمؤمن، لا يقضي الله له شيئاً، إلا كان خيراً له)، والثاني قوله عليه الصلاة والسلام:(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس لأحدٍ إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له).عليك أن توقنَ أيها المبتلَى- وكلنا ذلك الرجل- أنّ في طي كل بلاء خيراً، ووراء كل بلاءٍ حكمةَ الله الحكيم الرحيم، اللطيف بعباده، الذي ما ابتلاك إلا ليرفعك، ويُعظم لك أجرك، ويحط من خطيئتك، ثم يسبغ نعمته عليك في الدنيا،(ولأجر آخرة أكبر لو كانوا يعلمون).