03 نوفمبر 2025

تسجيل

تحامي واحتمال أذى الناس

23 يوليو 2013

لا بد لكل امرئ ينتسب إلى دين الإسلام، ويطلق على نفسه لفظة مسلم، وينطق لسانه بالشهادتين، أن يعرف أولاً تمام المعرفة، ويدرك كل الإدراك، تعريف المسلم الذي بينه نبينا عليه الصلاة والسلام في قوله: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، إذ إن هذا التعريف بمثابة القواعد والأسس الأصيلة، التي تبنى عليها الأركان المتينة، حتى يرتفع المبنى، ويبقى شامخاً لا يتضعضع بساكنه في الدنيا، ولا يقوّض عليه في الآخرة. ولنلقي على الحديث السابق نظرة متأمل، تنفذ إلى فوائده القيمة المكنونة كمون اللآلئ في الأصداف، تشع من نور المشكاة المحمدية.  إن النبي عليه الصلاة والسلام قسم الأذى إلى نوعين، نوع معنوي يكون باللسان، ونوع آخر حسي يكون باليد، وقد قدم أذى اللسان المعنوي، على أذى اليد الحسي لسببين، لكونه أكثر انتشاراً وشيوعاً، بتحريض من الشيطان عدو الإنسان، لذا قال الله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)، ولكونه أشد وقعاً وإيلاماً، على حد قول الشاعر: جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان ويلاحظ أيضاً في الحديث، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال "الناس" ولم يقل المسلمين، يدل هذا على أن المسلم في تعامله بالمبادئ الإسلامية، التي رأسها الأخلاق الكريمة، لا يفرق في تعامله بين مسلم وغير مسلم، فضلاً عن اعتبارات وفوارق أُخَر تكون بينه وبين خلق الله، من اختلاف في الانتماء أو في المال والجاه. وفي حديث آخر يوجه عليه الصلاة والسلام، الخطاب إلى من لم يتقيد ويلتزم بذاك التعريف قائلاً من على رأس المنبر بصوت رفيع عال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتّبِعوا عوراتهم ولا تطلُبوا عثراتهم فإنه من يتّبع عورة أخيه المسلم يتّبعِ الله عورته ومن يتّبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته). فلن يبلغ المرء درجة الإسلام، لا أقول الإيمان، حتى يكف أسباب الأذى المعنوية والحسية عن الناس، فضلاً عن المسلمين منهم، وإلا كان كالشيطان مصدراً للشرور والبلايا، يستعاذ بالله منه كما يستعاذ من الشيطان، فشر الخلق هو من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، كما جاء ذلك في الأثر، أما خير الخلق فهو عكس ذلك تماماً، أو على الأقل إذا لم يأتك منه خير، فلن يأتيك منه شر إطلاقاً، وحتى مع هذه المنزلة الدنيا الضعيفة، فإن الله تعالى لكرمه العظيم يثيب عليها، كما جاء في الحديث الشريف: (يمسك عن الشر فإنها صدقة). ما أروع وأبدع قول الشاعر السموأل حينما قال: إذا المرء لم يَدنَس من اللؤم عرضُه فكل رداءٍ يرتديه جميلُ واللؤم اسم جامع لكل رذيلة وشر، وسنردف البيت الثاني إلى جوار صاحبه في مقالة يوم غد، بحول الله وقوته، والسلام ختام.