19 سبتمبر 2025

تسجيل

الدوحة عاصمة السلام العربي

23 يوليو 2011

تم يوم السبت 16 يوليو الجاري توقيع اتفاقية السلام في دارفور بمدينة الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة بحضور صاحب السمو أمير قطر والرئيس السوداني عمر البشير وقادة دول إرتريا وتشاد وإفريقيا الوسطى وممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية التي تبارك هذا السلام وتعززه وتتعهد بالحفاظ عليه وهي منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة الإتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وبعد مفاوضات عسيرة دامت شهورا في الدوحة بإشراف وإدارة دولة قطر التي قدمت كل ظروف التوفيق للأطراف المتحاورة بحرص وتوجيه من صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله ومتابعة يومية من معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وبإدارة ذكية باشرها سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد بن عبدالله آل محمود الذي طالما رأينا وجهه المتفائل بملامحه الهادئة في أدغال إفريقيا ومناطق الصراعات الأهلية وفي معابر وقاعات فندق شيراتون الدوحة وهو يحمل بنفس العزيمة تلك الأمانة الثقيلة التي كلفته بها دولته وأصر على إنجاحها بالكلمة الطيبة والضمير الصادق والصبر الجميل. وقد سجلنا بفخر ما قاله خادم الحرمين وكذلك بان كي مون من عبارات التقدير للمساعي القطرية الخيرة. والتوقيع على وثيقة السلام في دارفور تعزز اعتقادنا الذي عبرنا عنه في مختلف المنابر بأن الأزمات العربية مهما كانت درجة تعقيدها ومخاطرها مرشحة للحل العادل الدائم إذا ما وقعت أقلمتها أي معالجتها في نطاق إقليمها الحضاري والجغرافي العربي الإسلامي دون الإلقاء بها بعيدا في أيدي منظمات دولية أو في أيدي قوى عالمية لها مصالحها الضيقة ولديها أجنداتها الشخصية وليس من أولوياتها إحلال سلام بين أطراف عربية متصارعة ربما يتوقعون في اتحادها استعادة العافية والقوة. وأمامنا ملف عربي آخر تم تداوله ولم يعالجه الفرقاء الإقليميون فيما بينهم فتعطل حله وتعقد أمره وتفاقم خطره ألا وهو ملف الصحراء الغربية (البوليزاريو) الذي اندلعت شرارته الأولى عام 1974 حين انسحب الاستعمار الإسباني من شمال إفريقيا تاركا قنبلة موقوتة تسمى الشعب الصحراوي وتواجهت المملكة المغربية وجمهورية الجزائر في حرب الرمال القصيرة ثم في حروب دبلوماسية وسياسية طويلة جمدت كل مجالات التعاون المغاربي وعطلت مسيرة الاتحاد المغاربي الذي ولد محتضرا عام 1989 ولا يزال فاقد الوعي في حالة موت سريري في غرفة إنعاش مستمرة. إن وثيقة الدوحة لسلام دارفور تضع حدا لحرب أهلية دامية أنهكت لا السودان وحده بل كل شعوب إفريقيا الوسطى وهددت بإحداث شرخ عميق في قلب الأمة العربية الإفريقية قد يقضي على أمل القارة السمراء في الأمن والتعاون والنمو، وهي القارة المحرومة رغم مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية من نعمة التنمية والسلام منذ نيلها استقلالها في الستينات فظلت أغلب شعوبها وقبائلها تراوح مكانها في مربعات القهر والفقر والأوبئة تقودها أنظمة حكم فاسدة وتنخر إقتصاداتها الرشاوى والعمولات. ولم يكن السودان في مأمن أمين من هذه الآفات حين تعاقبت عليه حكومات منذ أربعين عاما فصلته عن محيطه وقطعته عن مصر وتكالبت أيدي تجار السياسات والأسلحة لتحريك غول الانقسامات ومنها إقليم دارفور. وتقبل السودانيون واقع استقلال جنوبه حقنا للدماء واعترافا بمستحقات جديدة يفرضها المجتمع الدولي، وهنا تبرز أهمية اتفاق الدوحة لسلام دارفور حتى يتكاتف الشعب السوداني لمواجهة تحديات المستقبل الصعبة مجتنبا الهزات والمطبات وقاطعا لطريق الدسائس والمؤامرات. ولا يخفى أن دولة قطر بهذا العمل الصالح إنما تواصل مسيرة دبلوماسية موفقة وجريئة بدأتها بمعاهدة الدوحة للسلام في لبنان حين تقابل الفرقاء الأشقاء اللبنانيون في الدوحة للاتفاق على انتخاب رئيسهم وطي صفحات اختلافهم بوساطة قطرية أخوية موفقة. كما لا يخفى سعي دولة قطر لرأب الصدع بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وكانت اللقاءات العديدة بين أبو مازن وخالد مشعل في الدوحة خطوات مباركة على طريق الوحدة ترافقها على الدوام مواقف قطرية مشرفة لإدانة التنطع الإسرائيلي وربح المعارك الدبلوماسية في معابر الأمم المتحدة لصالح قضيتنا العربية والإسلامية الأولى. وأنا أدعو من هذا المنبر دولة قطر أن توجه عنايتها لملف الصحراء المغاربية حتى يقف نزيف جهود وخيرات وحقوق مابين أطراف عربية جميعها في الشمال الإفريقي المناضل وهو جزء من هذه الأمة ينتظر من الشقيقة قطر عملا توفيقيا ضروريا واستعجاليا والله الموفق إلى سبيل الرشاد.