اضحكوا وابتسموا ما أمكنكم ذلك (3)

للأسبوع الثالث على التوالي أدعو القراء لممارسة الضحك في المواطن الباعثة على الضحك بشرط تفادي الضحك على ضعف أو سقطات وكبوات الآخرين، وإليكم ما قالته الدكتورة سوزان ستيبوم مديرة مركز النساء للقلب في مستشفى لينوكس هيل في نيويورك بأن الضحك يثبط هرمونات التوتر والقلق، ويرفع معدلات الكولسترول الحميد (إتش.دي. إل)، ويحد من التهاب الشرايين، وفوائده على القلب فورية، ويوافقها الرأي البروفسر باري جيكوبس الناطق الرسمي باسم جمعية القلب الأمريكية بأن النكديين العبوسين العدوانيين ترتفع عندهم احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40% مقارنة مع البشوشين الضحوكين. أتى بروفسَر (نعم بفتح السين وبدون واو بعدها) جيكوبس بمجموعتين من الناس، مزودين بأجهزة قياس الضغط والدورة الدموية، وشاهدت مجموعة فيلم "إنقاذ الجندي رايان"، الذي تدور وقائعه خلال الحرب العالمية الثانية، ويواجه رايان (قام بدوره توم هانكس) مخاطر جمة، أقلها شأناً الوقوع في الأسر، ويحاول زملاؤه إنقاذه، والرصاص والقذائف تنهال عليهم، بينما شاهدت المجموعة الأخرى الفيلم الكوميدي "شيء ما عن ميري Something about Mary"، وعانى مشاهدو الفيلم الحربي من ضيق في الأوعية وبطء في الدورة الدموية، بينما سجلت الأوعية الدموية لمن ضحكوا مع الفيلم الكوميدي توسعاً وكان معدل تدفق الدم عندهم عاليا مقارنة بالمجموعة الأولى. دعني أستأنس برأيك حول الضحك وتأثيره الإيجابي على النفس البشرية: ألم تكره مادة أكاديمية معينة، لأن المعلم الذي كان يدرسها كان فظاً أو سخيفاً أو ثقيل الظل والدم؟ ألم يمر بك مدرس كانت لديه القدرة على تنويمك مغناطيسياً لأنه بلا روح ومجرد "ريكوردر/ مسجل" يفرغ الشريط المقرر في رتابة تجعلك تحس بأن اليوم وليس مجرد الحصة صار أطول من المعتاد، ولا سبيل لتحمل طوله الممل سوى بالنوم، علما أن هدهدة الأطفال تقوم على الترديد الرتيب: لمفردات وجمل معينة. تسبب مدرس في المرحلة الوسطى، في الطلاق البائن بينونة كبرى بيني وبين الرياضيات، لأنه كان عبوساً، زفر اللسان وطويل اليد، أي كان يمارس العنف اللفظي والجسدي بحقنا، وكانت طريقته في مخاطبتنا: اسكت يا ابن الكلب.. يا حمار.. لعنة الله عليك وعلى والديك.. غبي من ظهر غبي، وهكذا كان طرف سوطه (لسانه) يلسع أمهاتنا وآباءنا، وتزامن تدريسه لنا مع خطواتنا الأولى مع علم الجبر، وهكذا وبسببه ما زلت ارتعد كلما رأيت حرفي س وص، اللذين يعتبران عنصراً أساسياً في علم الجبر. وفي السنة الرابعة من المرحلة الثانوية، وللسبب آنف الذكر كان من البديهي أن استبعد الرياضيات من خيارات مواد الشهادة الثانوية، وكان من حق من يرفض مادة ألا يحضر الحصص المخصصة لها، ولكن كان يدرسها في تلك المرحلة أستاذنا الحبوب عمر حسن مدثر الشهير بـ (عمر ماث)، وذلك لبراعته في مادة الـ"ماث" التي هي اختصار لكلمة "ماثيماتيكس" وتعني الرياضيات ودرس جيلنا العلوم والرياضيات والجغرافيا والتاريخ بالإنجليزية، وكان عمر ماث رباطابي اللسان والرباطاب قوم من أهل السودان اشتهروا بحضور البديهة والذكاء والبلاغة اللاذعة، فقد كان أستاذنا عمر مرحاً بشوشاً وتخرج الطرفة والملاحظات اللماحة الفكهة من لسانه بعفوية، فأقرقر من الضحك طوال حصة الرياضيات وأنا طالع مش فاهم حاجة عن الدرس، فيلتفت نحوي ويقول: وجودك بيننا يؤخر ولا يقدم، قوم فِز واطلع بره، فأرد: ما طالع من حقي أن أحضر الدرس، فيقول: أحسن، خليك قاعد لأنك حتبقى لي سبب أسيب الشغلانة دي (التدريس). ما كان ممكناً أن أفوِّت حصة رياضيات بطلها عمر ماث كي لا تفوتني قفشاته الساخرة والساحرة حتى عندما كان يجعل من بلادتي في الرياضيات مادة للتريقة، وأذكر أنه قال لي ذات مرة بعد أن فشل في إبعادي عن حجرة الدراسة أي كلية أرغب في الالتحاق بها في الجامعة مشككاً في إمكان قبولي في الجامعة طالما أنني لا أفقه شيئاً في مواد أساسية مثل الفيزياء والرياضيات، فقلت له إنني اعتزم الالتحاق بكلية الآداب فقال بدوره: ممكن يقبلونك فيها وهي مليانة ملذات وتقضي السنة الأولى كلها لهو ويفصلونك في نهاية السنة، فسألته عما إذا مر بتجربة مشابهة في الجامعة، فقال: أصلا كانت معنا بنت واحدة وفي السنة الثالثة "قام لها شنب زي الجغرافيا" ولم نسأله كيف يشبه الشارب بالجغرافيا فقد كنا نعرف أن له شطحات بلاغية خاصة. ‏[email protected]