13 سبتمبر 2025
تسجيليستمتع المشاهدون خلال شهر رمضان المبارك بصلاة التراويح من المسجد الأقصى التي تبثها يوميا قناة الجزيرة مباشر، وهي مبادرة رائعة من القناة ومن شبكة الجزيرة التي عودت المشاهدين على رسائل تأخذ بالاعتبار توجهات واهتمامات الجمهور المختلفة بمافيها الإخبارية والثقافية والروحية ، حيث تشكل الصورة المباشرة اليومية من القدس دلالة ذات أبعاد دينية وحضارية ووطنية تجسد في الخيال الجمعي العربي والإسلامي قيمة هذه الأرض المقدسة التي لا يجوز التفريط فيها بأي حال من الأحوال وترك أهلها لوحدهم يواجهون صلف الاحتلال. منذ أن أصبحت مدينة القدس والأقصى تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، تحولت إلى أفقر مدينة كبيرة في الكيان الغاصب وهذا الوضع يمثل عقابا لسكانها الفلسطينيين الذين لا يعترفون بالاحتلال الإسرائيلي على الجزء الشرقي، وهم يقاومونه كل يوم بما يستطيعون مرة بالحجارة وأخرى بالسكاكين ويجاهدون يوميا عند الحواجز التي تمنعهم من أداء الصلاة في المسجد الأقصى والرباط فيه، بينما يكتفي بعض المسلمين اليوم بالرحيل إلى الأقصى بعيونهم بعد أن كان أسلافهم يرحلون إليه بأقدامهم وعلى الحمير والبغال، وكان الناس في المغرب العربي مثلا يستقبلون بحفاوة أكثر من حج إلى مكة وزار القدس في طريق عودته فيقولون " حج وقدّس ". يبدو أن كثيرا من المسلمين قد عجزوا حتى عن الرحيل إليها بعيونهم ، وتقاعست الحضرة الهاشمية التي لاتزال مسؤولة عن أوقاف القدس عن مطالبة سلطات الاحتلال بمنع تركيب كاميرات التجسس التي ترصد حركات المرابطين وتحصي خطوات المصلين، بينما انشغل القادة والسياسيون بالمفاوضات ومساعي السلام في حين تثبت الاستراتيجية الصهيونية أنها لا تعترف بحق المسلمين في القدس وتنخر كل يوم تحت بنيان الأقصى بحثا عن هيكل مزعوم ، ولذلك تذهب أدراج الرياح كل العهود والاتفاقيات الدولية المبرمة ما بين العرب واليهود تحت مظلة الأمم المتحدة يؤكد هذه السياسة واقع الممارسات الظالمة على الأرض وتصريحات ساسة الصهاينة، فهذا آبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يؤكد صراحة في مقدمة كتاب حاييم وايزمن بالقول : " إن جميع ما نوقع من مواثيق وتعهدات وما نقبل من قرارات هو مجرد فرص نستعملها ، حتى إذا استنفدنا الغاية منها القينا بها جانباً ، وسرنا في سياستنا المرسومة " . لكن السؤال الأبرز لماذا أصبحت القدس غريبة عنا وأصبحنا غريبين عنها ؟ لماذا لا تلقى الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام الإسلامية والعربية ؟ لماذا تحولت مقدساتها إلى نوع من الأساطير إلى درجة أننا لم نعد نفرق بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة حيث يعتقد الكثير أن قبة الصخرة هي الأقصى ؟ كثيرون يرجعون سبب كل ذلك إلى غياب التواصل المباشر وغير المباشر مع هذه الأرض الطاهرة التي عرج منها سيد الأنبياء رسولنا الكريم وعاد إلينا بالصلوات الخمس، والبعض يقول لو كان التواصل مباشرا عن طريق شد الرحال لما حدث هذا اللبس بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى، لكن علماء الأمة انقسموا إزاء ذلك إلى فريقين فالأغلبية منهم تعارض وترى أن الزيارات الإسلامية إن تمت، لن تفيد إلا إسرائيل وأنها ستكرس الاحتلال، وتكون بمثابة اعتراف إسلامي بسلطة إسرائيل على القدس والمسجد الأقصى،بينما يرى الفريق المؤيد لفتح باب السياحة الدينية وزيارة القدس أن ذلك سيعد دعما لصمود المقدسيين وتأكيدا على الحقوق الإسلامية وضغطا شعبيا إسلاميا لإيقاف مخططات تهويد القدس، ولكي لا يشعر المقدسيون بأنهم لوحدهم وأنهم كائنات غريبة تعيش معزولة عن محيطها الإسلامي . وبغض النظر عن مدى وجاهة أي من فتاوى الفريقين فإن للقدس حقا على كل المسلمين وواجبا شرعي بالدعم والمساندة ولو حتى بجعل الصورة المباشرة عبر شاشات التلفزيون حاضرة في كل صلاة ، قبل أن تصبح القدس لا مرئية .