31 أكتوبر 2025

تسجيل

الرحمة بالمعسرين

23 يونيو 2016

من تمام النعمة على عباده ومنزلة الكرامة عند الله لا يحول بينهم وبين نزول المصائب الدنيوية المرتبطة بأسبابها ،وأن تلك المصائب مظهر لثباتهم على الإيمان ومحبة الله تعالى والتسليم لقضائه ،فينالوا بذلك بهجة نفوسهم بما أصابهم في مرضاة الله ويزدادون به رفعة وطهارة ،ويزدادوا يقينا بأن اتباعهم لهذا الدين لم يكن لنوال حظوظ في الدنيا ،ويكتب لهم من ذلك ثواب الآخرة ،فقد أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم بأجر بلا حساب ،والمؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير، الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبل الهدى وعدم مطالبة المعسرين من إخوانهم المتضررين والفقراء واحتساب ذلك عند الله تعالى والصبر عليهم حتى يفرج الله تعالى عنهم فإن لهذا العمل من الفضائل مالا يخطر ببال كثير منا ومن هذه الفضائل ،فأنه في ظل العرش يوم تدنو الشمس من الناس قدر ميل أو ميلين .فالإعسار من أعظم كرب الدنيا بل هو أعظمها فجعل أجر من نفَّس عن أحد من عيال المعسرين بتفريج أعظم كرب الآخرة وهو هول الموقف وشدائده بالإزاحة من ذلك ورفعته إلى أشرف المقامات، فالمرء الذي يسعى إلى السعادة ينشدها لابد وأن يعلم أن السعادة تتحقق له عند إسعاد الآخرين وإننا في هذه الأيام الطيبة أيام شهر رمضان أيام البر والإنفاق أيام يضاعف الله سبحانه وتعالى فيها الأجور والحسنات لمن أراد أن يتاجر مع الله فيبحث عن المحتاجين ويدخل عليهم السرور والسعادة ،فالإسلام دين التكافل الاجتماعي والتراحم والتعاون جعل العدالة الاجتماعية إحدى دعائم الدين وتكاليفه الشرعية، فالأغنياء والقادرون في مجتمع المسلمين وجب عليهم المبادرة إلى تفريج ضائقة المحتاج وتنفيس كرب المكروب من خلال اقتسام اللقمة معه في أشد الساعات الحرجة ،حتى لا يسود الحقد والصراع أفراد المجتمع ،فإن رقي المجتمعات وتقدمها لا يقاس بما حققت من منجزات العلم وما اكتسبته من مجال في المعارف العامة، وإنما يقاس بشيء أهم من كل ذلك وهو سيادة القيم الإنسانية فيها وانتشارها بين أفرادها والتي تقوم على قسط كبير من حب وتعاطف وإيثار وتضحية واستقامة ونظافة في التصور والسلوك والمعاملة ،لذا فإن المجتمع الإسلامي يختلف عن كثير من المجتمعات الأخرى لأنه مجتمع متكامل مترابط تقوم دعوته على زرع القيم والتعاون بين أفراده فهو من أرقى المجتمعات، فإن أبواب الخير في هذه الأيام المباركة مفتوحة أمام الإنسان التقي، يلجها متى شاء مستنزلا رحمة الله الواسعة، مستكثرا من ثوابه الجزيل وفضله العميم، فإنه يعلم أن أمر الرزق موكول إلى الله تعالى والذي كفله للجميع إلا أن البركة في الأرزاق لا يحصل عليها إلا الذين يتاجرون مع الله فتراهم ينفقون أموالهم ولا يخشون من ذي العرش إقلالا، فعلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن كل معروف صدقة وأنه في صباح كل يوم ينزل ملكان من السماء يقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفا ،ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا فوجب على كل محب للخير أن يبحث عن ألوان البر والخير والمعروف والتي يستطيع المسلم أن يجني منها أجور تلك الصدقات ،فهو يقوم بالأعمال البناءة الخيرة في مجتمعه فإيجابيات المرء وحياته كلها موجهة في خدمة أهله وعشيرته وأبناء مجتمعه، فالإنسان الحق الذي استضاء قلبه بنور الإيمان يسير على قيم الإسلام وآدابه كما أمره الله تعالى بها فمساعدته للمحتاجين لقربة يبتغي بها رحمة الله الواسعة فهو ينفق لينفَق عليه ويدرك أن هذا البر والصلة يجلبان البركة في الرزق وفي العمر.