14 سبتمبر 2025
تسجيلفي موقف يوم القيامة العصيب الفظيع المَهول، المليء بالكُرب والأهوال والشدائد، اليوم الذي يشيب منه الولدان، ويفر فيه المرء من الأهل والخلان، (يومٍ كان مقدارُهُ خمسينَ ألف سنة)، مدة موقف العباد للحساب، ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فما أطولَ هذا اليوم! وما أعسرَه! ولكنه برحمة الله الرحمن الرحيم، على المؤمنين يسير، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة)، فلك الحمد يا ربنا وإلهنا. يوم تدنو الشمس من فوق رؤوس الخلائق، حتى تكون قيد ميل أو اثنين، ولا يُدرى، أي الميلين المقصود، أمسافة الأرض المعلومة، أم الميل الذي تكحل به العين، وعلى كل حال، رحماك اللهم، فهذا مما لا يتحمله البشر. فتصهَرهُم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقِبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقْويه- خصره- ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.يكون المرء يومئذٍ في أمس الحاجة، وأعوز الفاقة، إلى ظل ظليل يستذري به من لهيب حر الشمس المحرقة، فلا يجد شيئاً يُغني عنه من ذلك، وينجّيه من تلك المهالك، إلا ما قدم لنفسه من الصدقات، وما أنفق من نفقات، قال الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه:(كل امرئ في ظل صدقته حتى يحكَم بين الناس)، ألم ينبئنا النبي بالسبعة الذين يظلهم الله جل وعلا بظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وما أجملها من استعارة تفيد المبالغة في إخفاء الصدقة، تبين لنا الفضل العظيم لصدقة السر، قال تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتُؤتوها الفقراء فهو خير لكم...) الآية، خيرٌ لنا عندما نجد ثوابها باقياً عند الله يوم الحساب، بعد أن ينفد كل ما عندنا ويضمحل ولا يبقى منه شيء بأيدينا، إذ نتركه وراء ظهورنا، ويأتي كلٌ منا الرحمن فردا، مصداقاً لقول المولى تبارك وتعالى:(وما عندكم ينفد وما عند الله باق)، ومن ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، أنهم ذبحوا شاةً، وتصدقوا منها، فقال النبي ما بقي منها؟ قالت: ما بقي إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كَتْفِها.إن في الصدقة برهان وحفظ وإطفاء وعلاج وانتصار.برهان على صدق إيمان، وصحة يقين المتصدق بالله، ودلالة على طيب نفسه، وسلامة قلبه من الجشع على المال، قال النبي:(الصدقة برهان).وحفظ من البلاء الذي تدفعه وتدرؤه الصدقة، وسبب في الوقاية من الآفات والكروب، قال عليه الصلاة والسلام:(باكروا بالصدقة فإن البلاءَ لا يتخطاها)، وقال أيضاً:(صنائع المعروفِ تقي مصارعَ السوء والآفات والهَلَكَات).وإطفاءٌ لغضب الله بسبب الخطايا التي يقترفها العبد، ففي الحديث:(إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء).وعلاج من الأدواء، إذا نوى بها المتصدق الشفاء، لقول النبي في الحديث الحسن:(داووا مرضاكم بالصدقة).وانتصارٌ على الشياطين، الذين لا يَودّون أن يفعل المسلم خيراً أبداً، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة، حتى يفُكَ عنها لَحْيَيّ سبعين شيطاناً).