31 أكتوبر 2025

تسجيل

خاشع في صلاته

23 يونيو 2015

إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يعمل على بناء الأفراد والمجتمعات، فيرشدهم ليكونوا خير الأمم بما يأمرون به من معروف وما ينهون عنه من منكر، فيسكب في سمع البشرية أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان الإنسان على ظهر الأرض، فالذي يتأمل هدي الإسلام العالي الحاوي على مكارم الأخلاق كلها، من حب وتعاطف وتآخٍ، فيزرع في نفوس أبنائه القيم الإسلامية النبيلة والتي ينبغي على كل مسلم التخلق بها، فلا يتخلق بالشحناء إلا من كان في قلبه مرض وفي طبعه جفوة وفي فطرته التواء، فبعض الناس قد يهتمون بأداء العبادة المطلوبة ويظهرون في المجتمع العام بالحرص على إقامتها، وهم في الوقت نفسه يرتكبون مخالفات عظام ويتركون أعمالا حسانا يأمرنا بها الخلق الكريم والإيمان الحق، نقول لأمثال هؤلاء إن حسن الخلق يعني الدين كله، لأنه امتثال لما يحبه الله بطيب نفس وانشراح صدر، فإن سبيل صلاح المجتمع هو سبيل صلاح الأخلاق، لذلك تجد المسلم الذي يلبي نداء الله عز وجل مستشعرا عظمة الخالق سبحانه وتعالى، يعلم حق العلم أنه ما خلق في هذه الحياة إلا للعبادة، لذا فهو يشعر بلذة المناجاة عندما يتضرع إلى ربه وهو يؤدي هذه العبادة، فهو يعلم علما يقينيا لاشك فيه، أن الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفسدة أو تجلب مصلحة.عندما يسمع المسلم نداء الحق سبحانه وتعالى بـ"يا أيها الذين آمنوا"، فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه ويأمرك به أو شرا يزجرك عنه وينهاك عن فعله أو جمعا بين الحث والزجر، وقد بين في كتابه الكريم ما في بعض الأحكام من المفاسد، فحثا على اجتناب هذه المفاسد وما في بعض المصالح، فحثا على إتيان هذه المصالح والامتثال لها، فإننا في وسط هالة من نور بين فرائض الله تعالى في هذه الأيام والتي تحمل بين طياتها أجل معاني العبودية لله تعالى من صيام وقرآن وصلاة، فشهر رمضان شهر مبارك حقا يمتلئ بالنور، نور الصيام، ونور القرآن، فالصلاة صلة بين العبد وربه تترك من الآثار الإيجابية في نفس المسلم ما يميزه عن غيره، فهي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتعوِّده على الانضباط والإتقان، فكان من عطاء الله تعالى لخلقه ومن منه وكرمه عليهم، أن نظم لهم وفرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة لتأكيد الصلة به، تحفظهم على تباعد فتراتها من الضياع سحابة نهارهم كما حثهم على الاستزادة من هذه الصلاة تنفلا في الليل والنهار، كما شرع لهم من العبادات ما يحصلون به القرب الذي يكون سبب في الحماية من المهالك وسفن النجاة التي تحملهم إلى بر الأمان، وإلى ذلك يشير الله تعالى في الحديث القدسي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: "بأنه ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه"، وحيث إن عظمة الإسلام تتمثل في أنه دين عملي وواقعي، لذلك فإنه ينطلق بالمسلم من حيث هو يأخذ بيده ويرتقي به ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية، وذلك من خلال العبادات التي افترضها الله سبحانه وتعالى عليه وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقا للارتقاء به، وأنه دين يجعل من عباداته عاملا أساسيا في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها، وأنه دين يجعل الأخلاق مقترنةً بالعبادات في تلازم وتجانس بديعين لتكون هذه الأخلاق وهذه القيم أثرا من آثار العبادة المقبولة التي تتجسد فيها قمة العمل التربوي لتصبح ميدان تربية متكاملا تكون له أكبر الآثار الإيجابية، إصلاحا وتغييرا للسلوك.