12 سبتمبر 2025
تسجيلتغيُّب مصر إجباريا عن الساحة الإفريقية، كان قرارا ثقيل الوقع على مصر الدولة ومصر الشعب.. وكذلك على الذين اتخذوه من القادة الأفارقة.. فمصر كانت دائما هي الأخت الكبرى المتألقة في الساحات والمؤتمرات الإفريقية التي تشرئب إليها أعناق إخوتها الأفارقة، ينشدون حكمتها وتجاربها وإسهاماتها في التصدي لمشاكل القارة الأم من واقع خبراتها المكتسبة من عمرها السياسي المديد. مصر الناصرية، على وجه التحديد، كانت الملاذ الرحيب لقادة حركات التحرر الإفريقية، عندما رصدت مصر قوتها السياسية والمعنوية لدعم الكفاح الإفريقي ضد الاستعمار في كل الأشكال: المادية والسياسية والمعنوية كواجب فرضته مصر الثورة على نفسها انحيازا لقضية التحرر الإفريقي من ربقة الاستعمار البغيض دون أن تنتظر شكرا أو عرفانا.. وفتحت مصر جامعاتها للشباب الإفريقي لأن سلعة التعليم كانت هي السلاح الأمضى والأقوى ضد المستعمر الغاصب.. وهي سلعة كانت نادرة الوجود في ذلك الزمن.. وكانت مصر هي الأخت الكبرى الوحيدة في ذلك الزمن القادرة على تقديم تلك السلعة النادرة.. ولا غرو، إذن، إن تغلغلت مصر في وجدان الإنسان الإفريقي كأخت كبرى وملاذ عند الحاجة.. وكان من المستحيل أن يخطر على عقل الإنسان الإفريقي أن تجد مصر نفسها في يوم من الأيام مبعدة من أي محفل أفريقي كبر ذلك المحفل أو صغر.. ومما لا شك فيه أن قرار عدم دعوة مصر للقمة الإفريقية كان قرارا مؤلما للذين اتخذوه من القادة الأفارقة.. ومما لا شك فيه كذلك أنه ألم وأحزن الإنسان المصري وأثار استغرابه.. القرار الإفريقي يذكر الإنسان المصري بالقرار الأكثر حدة الذي اتخذته دول الجامعة العربية ضد مصر السادات عقب صلحها المنفرد مع إسرائيل والذي كان هو الآخر مؤلما للذين اتخذوه من القادة العرب وموجعا للشعب المصري. قرار القمة الإفريقية استند على بند صريح في ميثاق الاتحاد الإفريقي يرفض ويعاقب الانقلاب على أي نظام ديمقراطي.. وهو شأن إفريقي إقليمي تواضعت عليه القيادات الإفريقية ووضعته في ميثاق تحولها إلى اتحاد ذي مواثيق مرعية.. تقول مصر الآن إنها نفذت البندين الأهم في برنامج خريطة الطريق الذي أعلنه في الثلاثين من يونيو 2013 المشير السيسي عشية إعفاء أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا.. وهما بندا انتخاب رئيس، وجهاز تشريعي مصريان جديدان.. وكان ما تم في هذا الخصوص دافعا للاتحاد الإفريقي لكي يعيد إلى مصر مقعدها في الاتحاد الإفريقي.. ولكن لا أحد يختلف مع وزير الخارجية الأمريكي حين علق على هذه الأنباء قائلا إن الديمقراطية ليست هي فقط إجراء الانتخابات في رسالة مبطنة تقول إن مصر مطالبة بالمزيد لتوفيق أوضاعها السياسية الداخلية.. ويتطابق التلميح الأمريكي مع موقف الاتحاد الإفريقي الذي طالب مصر بعمل المزيد من أجل توفيق أوضاعها الداخلية حتى بعد قراره بعودتها إلى فعاليات الاتحاد.. توفيق أوضاع مصر يعني تحقيق التراضي المصري الشامل. وتقصير الظل البوليسي والأمني والعسكري في الحراك السياسي اليومي بالصورة التي تليق بالدولة الأقدم والأكبر في محيطها الإقليمي.. الأحكام الثقيلة والسريعة التي يصدرها القضاء المصري ضد جماعات الإخوان المسلمين وبقية المعارضين يجب أن تشكل الهم الأكبر والثقيل لمصر الحضارة.