11 سبتمبر 2025

تسجيل

التقسيم يتحرك بقوة في بلاد الرافدين

23 يونيو 2014

ذات صباح اتصل بي دبلوماسي عربي صديق لي بالدوحة في نهاية القرن الفائت أو في مطلع القرن الجديد -إن لم تخني الذاكرة - قبيل جولة كان مقررا أن يقوم لها لمنطقة الخليج الصيف "وليم كوهين" وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت لمنطقة الخليج.. وطلبني أن أزوره في اليوم نفسه بمكتبه دون تباطؤ، بمقر سفارته التي تطل على شاطئ الخليج في موقع شديد البهاء رغم قساوة الطقس التي تفرض سطوتها على كل شيء في ذلك الأوان. أدركت أن ثمة ما يرغب في قوله لي فسارعت إليه في الموعد المحدد.بعد جلوسي بدقائق. واستجابتي لدعوته بارتشاف فنجان الشاي الذي كان مشروبي المعشوق. بينما تراجع هذا العشق في الأعوام الأخيرة. فتح درج مكتبه وأخذ يقرأ لي بعضا من سطور تقرير لديه بشأن الجولة الصيفية المرتقبة بعد أيام لوزير الدفاع الأمريكي وكان من بين أهم أهدافها التسويق لخيار تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم أحدها سني في الغرب والشمال الغربي والثاني شيعي في الجنوب والثالث كردي في الشمال وهو قائم بالفعل وذلك ضمن إستراتيجية تكثيف الضغط على نظام الرئيس السابق صدام حسين الذي كان يتعرض لحصار شديد الوطء بعد طرد قواته من الكويت التي احتلها لبضعة أشهر في أغسطس 1991.وفي اليوم التالي نشرت ما حصلت عليه من معلومات خطيرة موضوعا رئيسيا في الزميلة الراية التي كنت أعمل بها وفي الأهرام المصرية وفي الخليج الإماراتية التي كان رشحني للعمل مراسلا لها بالدوحة عميد الصحافة القطرية وأحد أهم رموزها الخليجية بناء على طلب من إدارتها في منتصف العام 1998.والمفارقة أن المرحوم الشيخ زايد بن نهيان رئيس دولة الإمارات. استقبل وزير الدفاع الأمريكي في اليوم نفسه الذي نشرت فيه المعلومات بجريدة الخليج التي تصدر بالشارقة. وسأله عن مدى صحتها لكن كوهين نفى الأمر برمته وفق ما نشرت الصحيفة في اليوم التالي للزيارة. لكنني كنت واثقا في الدرجة العالية لمصداقية الدبلوماسي العربي الصديق. ثم نشرت الزميلة الوطن خلال فترة انطلاقتها الصحفية الأولى في زمن الصديق أحمد علي وفي تقرير لمراسلها في واشنطن من داخل الإدارة الأمريكية يتحدث عن المعلومات ذاتها التي نشرتها قبل أيام فحمدت الله تعالى.ما الذي أود أن أخلص إليه من استعراض تلك الواقعة؟لقد كان الحصار الأمريكي للعراق في مطلع التسعينيات. بداية التنفيذ الفعلي لمخطط للتقسيم ثم جاء قرار فرض منطقتي الحظر الجوي على شماله –إقليم كردستان ذي النزعة الانفصالية القوية منذ ستينيات القرن الفائت وجنوبه الذي تسكنه أغلبية شيعية في أواخر نوفمبر من العام 2002. بعد تنظيم (44892) طلعة جوية مسلحة. وذلك لإضعافه وتهديد استقلاله وسلامته الإقليمية رغم استمرار احتجاج الحكومة العراقية السابقة على ذلك واعتبار منطقتي الحظر غير شرعيتين. بيد أن الخطوة الأهم في هذه المخطط تجلت في الغزو الأمريكي في عام 2003 وبادر الحاكم العسكري الذي عينته واشنطن فور سقوط بغداد إلى حل الجيش وهي واحدة من أهم أخطاء الغزو. ثم تطبيق نظام المحاصصة على أسس مذهبية وعرقية ومناطقية فبدا المشهد العراقي شبيها بتقسيم تركة صدام. ولكن من دون عدالة فقد أعطيت الأولوية للنخبة السياسية المنتمية للمذهب الشيعي والتي لعبت رموزها دورا محوريا في تقديم معلومات مضللة للإدارة الأمريكية. عما كان يسمى بامتلاك نظام صدام لأسلحة دمار شامل ثبت أنها غير موجودة من الأصل وفق ما أثبتته تقارير أمريكية بعد الغزو مباشرة.وللأسف مارست هذه النخبة سياسة إقصاء ممنهجة ضد الرموز السياسية للسنة خاصة التي تتبنى خطا مناهضا للاحتلال. وللتوجهات الجديدة في العراق القائمة على أسس غير وطنية وقومية. وبدت في بعض المراحل أقرب للشوفينية لاسيَّما مع تطبيق ما يسمى بقانون اجتثاث البعث. الذي لم يكن يهدف إلى استبعاد قيادات الحزب الذي كان مهيمنا على المشهد السياسي في زمن صدام فحسب. وإنما على كل من لا يثبت ولاؤه للنظام الجديد. وهو ما استمر على نحو أو آخر مما كرس نوعا من الغضب المكتوم الذي انفجر قبل أكثر من عام. متخذا شكل احتجاجات سياسية عاصفة في المناطق الغربية ثم اتخذ شكلا عسكريا في الآونة الأخيرة. وإن حاول تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش - ركوب موجته. أو أن ثمة دوائر تحاول أن تدفع به إلى صدارة المشهد لغرض في نفس يعقوب. يتمثل في أن وصم كل ما يجري من حراك سياسي بالإرهاب من الممكن أن يدفع بالقوى الدولية خاصة الولايات المتحدة للتعامل معه بشدة. وإن كنت لا أقلل من قيمة البعد الإرهابي الذي وفرته الحكومات المتعاقبة بعد الغزو الأمريكي. فضلا عن الممارسات التعسفية لقوات الاحتلال ضد أبناء الشعب العراقي من كل الانتماءات المناخات القوية لولادته وصعوده القوي في بلاد الرافدين. فبرز محاولا أن يكون رقما مهما في المعادلة.على أي حال بات خطر تقسيم العراق يتحرك بقوة على الأرض لاسيَّما بعد أن طالب رئيس وزراء ما يسمى بإقليم كردستان العراق. بتكوين إقليم سني في المناطق الغربية والشمال الغربي على غرار إقليمه الذي يمارس بالفعل صلاحيات الدولة المستقلة. من حيث العلم والعملة والاستقبالات الرسمية لقيادات الدولة المركزية في بغداد. ولم يتبق إلا المطالبة بالحصول على تأشيرة دخول مسبقة . ولعل خطوة مسارعة سيطرة قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان على كامل مدينة كركوك بما في ذلك المناطق العربية بعد انسحاب قوات الجيش منها للأسف ينطوي على دلالات خطيرة في هذا الاتجاه.وفي الوقت نفسه فإن ملامح التقسيم تتبدى في المناطق الجنوبية - التي يتردد وليس لدي تأكيدات موثقة بشان صحتها -أنه تم استجلاب مئات الألوف من الإيرانيين للإقامة فيها ومنحهم الجنسية العراقية. فضلا عن استخدام العملة الإيرانية التومان في بعض مناطق الجنوب وهو أمر حدثني عنه قيادي بالتيار الصدري في العام 2006 وأشياء أخرى مريبة. وفي يقيني. أنه لو لم تسارع النخب السياسية وعلى رأسها المالكي إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي. وتجاوز حالة السيولة التي تواجهها بلاد الرافدين حاليا. باتجاه الجلوس فورا على طاولة حوار وطني يتسم بالجدية والصدق. لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية وليست صورية - كما كان الأمر على مدى السنوات الثماني الماضية - محتوية كل ألوان الطيف السياسي. ضمن سياق يتعهد بالمحافظة على وحدة الوطن ترابا وشعبا. فإن خيار التقسيم سيظل هو الورقة الرابحة. لاسيَّما أن قوى إقليمية ودولية تسعى لتكريسه في الواقع العراقي.واللافت أن هذا المطلب بات مطروحا بإلحاح من قبل دوائر بالداخل. بما في ذلك المرجع الأعلى الشيعي علي السيستاني والجامعة العربية. ومنظمة التعاون الإسلامي . والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة وروسيا. فضلا عن أن إدارة أوباما دخلت على هذا الخط مطالبة المالكي بأن يحل مشكلاته السياسية فلا يجدر به أن يخلق هذه المشكلات ثم يطلب من الآخرين القيام بحلها بعد أن طالب الرئيس الأمريكي بسرعة التدخل العسكري لوأد تحركات داعش.