12 سبتمبر 2025

تسجيل

تغيرات الشراكة الخليجية الدولية

23 يونيو 2012

في تطور لافت للنظر اتفقت الصين واليابان، وهما أكبر قوتين اقتصاديتين في القارة الآسيوية وثاني وثالث أكبر اقتصادين عالميين على التوالي، اتفقتا على استخدام العملة الصينية "اليوان" في تجارتهما الخارجية ودون اللجوء إلى الدولار الأمريكي، كعملة دولية تتم من خلالها معظم تجارة العالم. وسبق هذه الخطوة توجه مماثل بين الصين والهند والتي تعتبر ثالث أكبر قوة اقتصادية في آسيا، حيث تأتي هذه التطورات المهمة للغاية في المعاملات المالية والتجارية في ظل أزمة مالية ومصرفية طاحنة، وبالأخص في القارتين الأوروبية والأمريكية الشمالية. ومع أن الاقتصادات الآسيوية ليست بعيدة تماما عن الأزمات التي تعصف بالعالم، حيث تباطأ نمو الاقتصادين الصيني والهندي، كما هوت الروبية الهندية لتصبح أضعف العملات الآسيوية، إلا أنه ما زالت هناك قوة دفع في هذه الاقتصادات تجعلها قادرة على امتصاص بعض الصدمات، حيث يأتي الاتفاق الصيني الياباني في محاولة للتأقلم مع المستجدات الدولية الناجمة عن استمرار تداعيات الأزمات. ونظرا لحجم وأهمية كل من الصين واليابان، فإن قرار استخدام العملة الصينية في المبادلات التجارية ستكون له انعكاسات بعيدة المدى، يأتي في مقدمتها تنامي قوة الصين في العلاقات الاقتصادية وتنامي استخدام عملتها والتي تكتسي المزيد من الأهمية في المعاملات التجارية والمالية والتي يتوقع أن تتحول إلى إحدى أهم العملات العالمية في الفترة القادمة. ويشكل مثل هذا التحول أهمية خاصة لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها الثقل الذي تحتله الصين في التجارة الخارجية لدول المجلس، ففي السنوات الخمس الماضية احتلت الصين وما زالت المرتبة الأولى في التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات لترتفع بنسبة %10 سنويا تقريبا ولتصل إلى 110 مليارات درهم (30 مليار دولا) في العام الماضي 2011، كما أنها تحتل مراكز متقدمة في التجارة الخارجية لبقية البلدان الأعضاء في المجموعة الخليجية، حيث أشار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات إلى أن التبادل التجاري بين دول المجلس والصين تضاعف عشر مرات خلال العقد الماضي ليصل إلى 100 مليار دولار ومن المتوقع أن يتضاعف عشر مرات أخرى خلال العقد الحالي. وإضافة إلى ذلك، فإن الصين تتحول إلى أهم مستورد للنفط الخليجي، متجاوزة في ذلك كلا من أوروبا الغربية والولايات المتحدة واللتين تحاولان التقليل من اعتمادهما على مصادر الطاقة من الخليج العربي، سواء من خلال تطوير مصادر الطاقة البديلة، كما هو الحال في أوروبا أو من خلال اكتشافات جديدة لمصادر الطاقة الهيدروكربونية إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. في ظل هذه الأهمية المتزايدة للعلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون والصين، فإنه من الصعب أن تنمو هذه العلاقات في ظل الاعتماد الكامل على العملة الأمريكية في التبادلات التجارية والمالية بين الجانبين الخليجي والصيني، مما يستوجب طرح موضوع استخدام العملة الصينية في تعاملات دول المجلس مع الصين. وإذا ما حدث ذلك، فإن مكاسب مالية مهمة ستتحقق للجانبين، بما فيها إمكانية الاستفادة من قيمة العملة الصينية المنخفضة وتقليل تكاليف المعاملات التجارية التي تتم حاليا من خلال المؤسسات المالية والمصرفية الأمريكية، وذلك بحكم إجراء هذه المعاملات بالدولار الأمريكي. ومع أن مبيعات النفط من دول مجلس التعاون للصين سوف تستمر بالدولار الأمريكي والذي يعتبر العملة المعتمدة حتى الآن في أسواق النفط العالمية، إلا أن المبادلات التجارية غير النفطية بين الجانبين يمكن أن تتم بعملات أخرى، وبالأخص بالعملة الصينية. ويشكل ذلك رهانا على المستقبل ومجاراة للتغيرات الاقتصادية والتجارية والمالية الجارية في العالم، فالاقتصاد الصيني والذي يتوقع أن يحتل المرتبة الأولى عالميا بعد ثلاثة عقود يزداد اعتمادا على دول المجلس في تلبية احتياجاته من الطاقة والمنتجات البتروكيماوية ومشتقات النفط، في الوقت الذي تتزايد فيه واردات الأسواق الخليجية من المنتجات الصينية. وإضافة إلى الصين، فإنه يمكن اتباع الأسلوب نفسه مع عملات عالمية صاعدة أخرى، بما فيها الروبية الهندية، حيث تحتل الهند المرتبة الثانية في التجارة الخارجية لدول المجلس، هذا ناهيك عن إمكانية اعتماد العملة الخليجية الموحدة في التبادل التجاري والمالي الدولي، وذلك إذا ما اتفقت الدول الست الأعضاء في المجلس على إطلاق عملتها الموحدة في المستقبل. والحال، فإن ذلك يعني ضرورة وجود ربط تكاملي بين السياسات النقدية والمبادلات التجارية والمالية بين دول مجلس التعاون والتكتلات والبلدان الاقتصادية الكبرى، مما يعني التنوع وتقليل المخاطر والتكاليف وزيادة الفعالية والمكاسب في علاقات دول المجلس مع شركائها الرئيسيين في العالم.