12 سبتمبر 2025
تسجيلكلما حاولت الابتعاد عن الأخطاء أو الخطايا التي تحدث حولي قفزت إليّ مئات المقالات التي كتبتها في حياتي وغيري عن التناقض البشع بين شعار تشجيع القطاع الخاص وبيع ممتلكات الدولة التي هي في الأساس ملك للشعب، فالدولة التي يتردد لفظها تعبيرا عن الحكام ليست هي الدولة في العرف السياسي. في العرف السياسي الدولة شعب وأرض ونظام حاكم، والنظام الحاكم يتغير ويبقى الشعب والأرض. لكن هكذا شاءت الأحاديث والأفعال، فكل شيء ملك للدولة يعني ملكا للنظام الحاكم، لا علاقة للشعب به. تشجيع القطاع الخاص يعني تركه للقيام بأعماله لا التضييق عليه، ولا بإعطائه ممتلكات الشعب يا سادة! آخر المستجدات المؤلمة هو إعلان نية تأجير المستشفيات العامة - أكثر من مائتي مستشفى- التي أقامتها نظم الحكم السابقة منذ العهد الملكي لخدمة الشعب، تماما كالمدارس العامة التي كان طه حسين أهم من نادي بانتشارها هي والجامعات، ولم يكن أبدا مع التعليم الخاص الذي بدأ في الانتشار منذ أيام السادات، ومعه المستشفيات الخاصة التي لا يقدر عليها إلا الأغنياء. عبر العشر سنين السابقة لم نسمع عن مستشفى ولا مدرسة عامة جديدة، لكن سمعنا عن العديد الخاص. الآن يقولون إنهم سيقومون بتأجير المستشفيات العامة للقطاع الخاص. طبعا كالعادة يقولون إن هذا لن يؤثر في تكلفة العلاج أو زيادتها، لكن ما تعودناه أنهم بعد أن يعهدوا بالممتلكات العامة للقطاع الخاص، يتم اهمالها أو هدمها، وحدث ذلك في المصانع والأمثلة كثيرة. منذ عشر سنوات قدم رجال الأعمال اقتراحا بدفع خمسة بالمائة إضافية للضرائب، لكن ليس نقدا للحكومة، وإنما في هيئة مشروعات، وكتبت أنا طالبا من الحكومة أن تتركهم يبنون مدارس ومستشفيات، لكن الذي حدث أن الدولة ألغت اقتراح رجال الأعمال كأنما تريد الخمسة بالمائة نقدا لا مشروعات. لم تقل السبب لكن أي سبب آخر يمكن أن يكون، وقد قرر رجال الأعمال مساعدة الدولة فترفض!. المجتمع الأهلي هو صانع النهضة منذ بدأت مصر نهضتها الحديثة، فكان الباشوات ورجال المال كانوا يبنون المدارس ويعهدون بها إلى وزارة المعارف، أو المستشفيات ويعهدون بها إلى وزارة الصحة. راجع تاريخ المدارس لتعرف من بناها أو المستشفيات، وكيف عهدوا بها للوزارة المختصة ولم يديروها لحسابهم. حتى جمعية دينية قديمة مثل العروة الوثقى التي أنشأها محمد عبده مع جمال الدين الأفغاني واستمرت بعدهما، أهدت عشرات المدارس إلى وزارة المعارف حملت عنوان مدرسة العروة الوثقى ولم تديرها الجمعية. لم يعد ذلك يحدث بعد أن أمسكت الدولة المركزية في يدها كل شيء إلا في إعلانات عن تبرعات لبعض المستشفيات القليلة التي أنشاها المجتمع الاهلي وليس الحكومة أيضا، لكن ليس بالزخم القديم. للأسف الدولة المركزية ترى الأرض وما عليها ملكها، تتصرف فيها لتحل أزمتها المالية دون أن تفكر كيف حدثت هذه الأزمة بسبب مشروعات لا عائد منها على الشعب فهي ليست مصانع مثلا. صرنا نسمع كل يوم عن بيع أراضٍ وعقارات ملك للدولة – الشعب من فضلك – لكن وصل الأمر إلى الحديث عن تأجير المستشفيات العامة التي لم تزداد، وصارت متخمة بالمرضى، وصار الحصول على سرير فيها أمرا شاقا لقلة أعدادها قياسا على عدد المرضى من الشعب. يريدون تأجيرها وأي عاقل يعرف أنها ستتحول إلى فنادق غالية، وقد يتم تقليل عدد الأطباء والممرضين توفيرا على المستأجر. أيتها الدولة التي تحمل الاسم الخطأ، لا قيمة لشعب ولا قيامة لدولة دون علاج وتعليم بالمجان. راجعوا تاريخ النهضة المصرية وتعلموا، أو انظروا في العالم حولكم.