22 أكتوبر 2025

تسجيل

وجعلنا من الماء كل شيء حي

23 مايو 2014

الماء سر الوجود وأصل الحياة، التركيب الكيميائي الفريد الذي وهب للأرض قدرتها على احتضان الكائنات الحية، الماء الذي قدسته الشعوب وقامت على ضفافه الحضارات الكبرى، وتنازعت عليه الدول والأقوام، الماء الذي وصفه الخالق جل وعلا بانه أساس لكل شيء حي (وجعلنا من الماء كل شيء حي).وللعرب منذ القدم مع الماء شؤون وشجون، فالماء الذي يشح في الصحارى حتى يكاد ينعدم، فيموت الزرع والضرع وينتظر البشر حبة مطر كإنتظار الحبيب لمحبوبه الغائب، يبثه الشكوى والنجوى، ويطلق عليه التسميات والأوصاف ويتوسل إليه بالأشعار والدعاء.وتروي لنا كتب الشعر عن أعرابية من بني أسد تبث شكواها من انقطاع المطر وشح الماء في شعر جزل مفعم بالأحاسيس، حيث تقول:ألم ترنا غبنا ماؤنا زمانًا فظلنا بكد البيارافلما عدا الماء أوطانه وجف الثمار فصارت حرارًاوفتحت الأرض أفواههاعجيج الجمال وردن الجفاراوضجت الى ربها في السماء رؤوس العضاة تناجى السراراوقلنا أعيدوا الندى حقه وعيشوا كراماً وموتوا حرارًاومن شدة تقديس العرب للماء نجد الرجل يشبَه حديث محبوبته بصوت المطر المنهمر على أرض طال عهدها بالمطر حيث يستقبل راعي الإبل هذا المطر بكل فرح وحبور..وحديثها كالغيث يسمعهراعي سنين تتابعت جدبًافأصــاخ مستمعًا لهويقول من فرح هيا ربًابينما يصف شاعر آخر صوت النساء العذب وحديثهن اللطيف بالماء البارد الذي يصادفه الظمآن:فهن ينبذن من قول يصبن بهمواقع الماء من ذي الغلة الصاويتقدير العرب للماء جعلهم يتعارفون على أعراف وتقاليد عند ورود الماء، حتى إن أحدهم إذا أدرك عدوه وهو يرد الغدير أو ينبوع الماء تركه يشرب ويرتوي، قبل أن يفكر في التصدي له، وحتى الطرائد البرية فان من المتعارف عليه بين العرب أن يتركها الصياد تشرب قبل أن يهم باصطيادها، وفي هذا يقول الشاعرالمخضرم الحطيئة:عطاشًا تريد الماء فأنساب نحوهاعلى أنه منها إلى دمها أظلمافأمهلها حتى تروي عطاشهافأرسل فيها من كنانته سهمًاوقد أطلق العرب على الماء تسميات كثيرة حسب نوعه ومصدره، فالماء غير الصالح للشرب آسن، وإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو أجاج، وإذا كان به شيء من العذوبة وصالح للشرب فهو ثريب، وإذا كان عذبا فهو فرات، وإذا كان سهلا سائغا في الحلق من طيبه فهو زلال، وإذا كان خالصا لا يخالطه شيء فهو قراح، وإذا كان باردا فهو فار، وإذا كان جامدا فهو قارس، وإذا كان الماء شديد الحرارة فهو حميم. وإذا أراد العرب أن يطلقوا اسمًا على امرأة ذات جمال وبركة وحسن وصفاء وبياض أطلقوا عليها (ماء السماء)، والعرب إذا وصفت الماء والشراب بالصفاء قالوا كأنه الدمع وكأنه ماء قطر، أو ماء مفصل.