12 سبتمبر 2025
تسجيلهي فتنة تكاد تنتشر في أنحاء المحروسة ضمن سياق محاولات عديدة لإجهاض ثورة الخامس والعشرين من يناير في صدارتها إثارة الاحتقان الطائفي على نحو غير مسبوق من جراء الشحن العاطفي باتجاه تفجيره بشكل يومي خاصة أن الأنفس قابلة للاختراق على هذا الصعيد بفعل عوامل كامنة منذ أن كان النظام السابق يحركها. وتأتي فتنة العفو عن حسني مبارك مقابل التنازل عن ثروته وممتلكاته كدلالة أخرى على أن ما يطلق عليه "فلول النظام السابق" لا تفتر همتها في سبيل تبرئة الرجل عن كل ما ارتكبه على مدى ثلاثين عاما من حكم مطلق شديد الاستبداد بصورة لم تحدث في التاريخ المصري منذ إنشاء الدولة المصرية القديمة في العصر الفرعوني. والبداية كانت في حوار للمستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض مع أحد البرامج التلفزيونية "فَهِم على سبيل الخطأ في حين أنه لم يكن يقصد من ورائه" كما أكد في لقاء آخر إثارة "حديث العفو عن مبارك" وأنه كان فقط يتحدث عن أنواعه ومحدداته القانونية. واللافت أن إحدى الصحف اليومية الحديثة الإصدار في مصر كشفت عما اعتبرته سبقا صحفيا ويتعلق باستعداد مبارك لإلقاء خطاب اعتذار للشعب طلبا للعفو وهو ما تناقلته وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية على نحو واسع مما أثار ما وصفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالكثير من البلبلة في الشارع المصري واتهم مسربي هذه الأخبار بالكذب ونشر الشائعات بهدف الوقيعة بين الجيش والشعب رافضا أسلوب الاعتماد على مصادر مجهولة المصدر مؤكداً أنه لا يتدخل في الإجراءات القضائية ووصل الأمر باللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع المصري للشؤون القانونية وعضو المجلس الأعلى إلى التهديد باللجوء إلى المادة 13 من قانون العقوبات التي تتيح تقييد وسائل الإعلام والصحف في حال نشرت أو عرضت مواد تخل بالأمن القومي للبلاد بشكل استثنائي وقد تم بالفعل استدعاء رئيس تحرير الصحيفة ومحرري التقرير للتحقيق في النيابة العسكرية التي أمرت بإخلاء سبيلهما بعد تعهد بعدم نشر أي أخبار أو تقارير تتعلق بالقوات المسلحة إلا بعد العودة إلى الجهات المعنية فيها. ولاشك أن إثارة حديث العفو عن مبارك الآن ينبئ عن محاولة للالتفاف على ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي نجحت في الإطاحة بالرئيس السابق مما يمهد لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انبثاق الثورة خاصة أن العفو عنه قد يفتح الباب للعفو عن رموز نظامه وأغلبهم من كبار السن ومصابين بأمراض الشيخوخة وهي المبررات التي يتكئ عليها أصحاب الدعوة إلى العفو عن مبارك الرجل المسن وصاحب الأمراض العديدة والاهم من ذلك أنه صاحب الضربة الجوية في حرب أكتوبر من العام 1973 ولكن هذه المبررات كما يرى الكثير من المختصين لا تخضع للمنطق القانوني أو السياسي وإن كان البعض يرى إمكانية أن يتم مناقشة الفكرة من خلال حوار وطني شامل بمشاركة كافة القوى السياسية التي تقرر ما إذا كان بالوسع العفو عن مبارك من عدمه في ظل توافر شروط معينة من أهمها عدم شموله نجليه أو أي من أركان نظامه الذين ارتكبوا جرائم سياسية وجرائم الفساد المالي، والذين يرفضون العفو عن مبارك وهم يمثلون تيار الأغلبية في مصر يستندون في موقفهم على المعطيات التالية: أولا: إن جم ثروة مبارك لم يتحدد بعد، فكل يوم تكشف تقارير الجهات الرقابية عن مصادر جديدة في هذه الثروة سواء بالداخل أو بالخارج وذلك رغم محاولة نفي تضخم هذه الثروة والتي جاءت على لسان محاميه فريد الديب مشيراً - بعد أن نفى واقعة تسجيل مبارك كلمة لبثها عن طريق قنوات مصرية وعربية. يعتذر فيها للشعب ويطالب بالعفو والصفح عنه، مع التنازل عن كل ممتلكاته وأمواله - إلى أن كل ما لديه عبارة عن فيلا اشتراها عام1997 بمبلغ نصف مليون جنيه في شرم الشيخ. ورصيده في البنك الأهلي لا يتجاوز مبلغ الستة ملايين جنيه. هي حصيلة خدمته في القوات المسلحة والرئاسة على مدى 62 عاما لافتا إلى أنه لا يمتلك أي حسابات خارج مصر أو عقارات أو قصورا في أي مكان داخل مصر أو خارجها سوى فيلا شرم الشيخ معتبرا أن الحديث عن وجود أرقام مبالغ فيها تهدف إلى تشويه صورة مبارك. غير أن ما كشف عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حديثه لـ" الأهرام" مؤخرا يصب في منحى يؤكد أن ثروة مبارك من الضخامة بمكان رغم أنه بدوره يرفض منطق المبالغة الذي سعى إليه البعض في الحديث عن هذه الثورة فهيكل – اعتمادا على تقارير للبنك الدولي مدعومة بتقارير من المخابرات الأمريكية - يقدر هذه الثروة بالخارج بين 9 و11 مليار دولار وذلك رقم في حد ذاته مهول وفق تعبيره ومن قبل قدرت صحيفة الجارديان البريطانية ثروة مبارك بحوالي 5ر4 مليار دولار وذلك كله يعني أن الرأي العام المصري لن يسمح بمنطق العفو في ظل حالة الحرمان التي عاشتها الأغلبية خلال الثلاثين عاما من حكمه وأضافت بها السبل مما أدى إلى دخول أكثر من 40 % من الشعب المصري منطقة تحت خط الفقر وغياب الخدمات الرئيسية والتي كانت مخصصة للأغنياء فحسب أما هم فكانوا يحصلون عليها بصعوبة شديدة في ظل تدني مستوى الدخول إلى حدودها الدنيا وصعود معدل الأسعار على نحو لا يتسق مع الأجور فانتشرت العشوائيات والحالات المرضية التي لم يكن بمقدور أصحابها الحصول على علاجها بفعل تدهور المستشفيات العامة وارتفاع كلفة المستشفيات والعيادات الخاصة. ثانيا: إن إعفاء مبارك من المحاكمة، يتعارض مع نصوص القانون، ويجب التعامل مع الأمر في إطاره الطبيعي باعتباره مواطنا عاديا يجب محاكمته دون تهويل أو تهوين، فالحكم في النهاية هو القانون ووفق رؤية كل من المستشار محمود الخضيري رئيس نادي القضاء السابق بالإسكندرية فإنه من الناحية القانونية يجوز للرئيس السابق رد الأموال بالكامل أمام جهاز الكسب غير المشروع وسيكون المقابل عدم محاكمته والاكتفاء برجوع الأموال للشعب المصري. أما عن قضية القتل العمد للمتظاهرين فلابد أن يحاكم لأنه المسؤول الأول والأخير في القضية باعتباره رئيس الدولة في ذلك الوقت قائلا " ستكون عقوبة مخففة". ثالثا: ثمة اتجاه عام يرى أن مبارك ينبغي أن يخضع لمحاكمة سياسية وشعبية دون أن يقتصر الأمر على مجرد محاكمة تتعلق بفساده المالي فوفقا لأصحاب هذا الاتجاه فإن الأوراق والحيل القانونية التي يلجأ إليها بعض المحامين يمكن أن توفر مساحة لبراءة مبارك منها لكن الانتهاكات والجرائم التي وقعت طوال مدة حكمه التي اقتربت من الثلاثين عام يمكن أن توفر ذرائع واضحة وسافرة لمحاكمته سياسيا وقد حددها "هيكل" في العدوان على روح النظام الجمهوري والبقاء في الرئاسة30 سنة وتعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة والتصرف في موارد البلد وثرواته كما لو كانت ملكا شخصيا، كما أن النظام السابق أهمل إهمالا جسيما في قضايا لا تحتمل الإهمال مثل قضية مياه النيل والفتنة الطائفية والتعاون مع إسرائيل. مما جعل أحد وزرائها يصفه بأنه كنز استراتيجي لها وتزييف إرادة الشعب وانتهاك حقوق الإنسان والتواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سياسية ومالية، فضلا عن جرائم تزوير الانتخابات لصالح الحزب الوطني وإقصاء القوى السياسية والحزبية الأخرى وهي كلها -كما يقول هيكل - تهم سياسية وليست تهما قانونية والتعامل حيال هذه الجرائم لابد أن يكون سياسيا مما يستوجب الأمر معها أجراء محاكمة برلمانية بعد تشكيل مجلس الشعب المقبل وهو ما حظي بالتأييد من دوائر قانونية وسياسية عدة في مصر غير أن المجلس العسكري وأركان حكومة الدكتور عصام شرف خاصة المستشار محمد عبد العزير الجندي ما زالوا متسمكين بالقانون الطبيعي لمحاكمة مبارك ورموز نظامه وإن كان دوائر شباب الثورة يرون أن البلاد من المفترض أن تخضع لمحددات الشرعية الثورية التي توفر- في ظل ادعاءات البعض بعدم وجود نصوص في القوانين الحالية تجرم الفساد السياسي – الآليات المطلوبة لأي محاكمة سياسية مرتقبة في المستقبل. على أي حال يمكن القول إن مصير مبارك ما زال معلقا سواء فيما يتعلق بمحاكمته قانونيا أو سياسيا خاصة أن الملابسات الصحية المحيطة به ما زالت تخضع للرأي الطبي الذي لم يحسم بعد موقفه من إخراجه من مقر حبسه الاحتياطي بمستشفى شرم الشيخ الدولي وتحويله إلى سجن طره إلى جانب نجليه ورموز نظامه الكبار وهو ما دفع النائب العام إلى تشكيل لجنة طبية جديدة للبت في أمره السطر الأخير: أقيم ممالكي بعينيك فأنت بوابة تكويني سر عشقي ولعي بالشعر القابع فيك فيض محبتي سفر حضوري بجناتك يهيئ عناوين البهجة بقصائدي يزيح وجعي وأنيني [email protected]