28 أكتوبر 2025

تسجيل

الغرب يتقاسم غنائم العرب

23 أبريل 2018

بعد أن تعقدت أزمة سوريا خلال الأيام الأخيرة وأثار استعمال الكيمياوي ضمائر العالم وتحالفت واشنطن ولندن وباريس للرد بضرب أهداف سورية، أصبح الأمر يتعلق بإعادة تشكيل العلاقات الدولية على أسس استراتيجية مختلفة في إقليم البحر الأبيض المتوسط شديد الحساسية، والذي تنعكس التطورات فيه على العالم بأسره بسرعة وبطريقة العدوى منذ ثلاثة آلاف سنة، فسوريا وفلسطين وليبيا وإسرائيل ولبنان تفتح على هذا البحر. والمغرب والمشرق العربيان يقعان في منعطف طرقات الجغرافيا والتاريخ والحضارة بين قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا، ويحمل العالم العربي بالطبع طاقات وهموم التحولات العملاقة التي تطرأ على العصر من جراء العولمة وإلغاء الحدود وانتقال الأفكار والأيديولوجيات والبشر و البضائع بخيرها وشرها بين الأمم. ثم إن الأحداث منذ سبتمبر 2001 ونشأة داعش أكدت سرعة انتقال بذور العنف من الشرق إلى الغرب بسبب اتساع وسائل الاتصال وانتشار أجهزة الإعلام والتحام شعوب العرب والمسلمين أمام القهر والتحديات والمظالم. فالذي يحدث في مدن الغرب مثلا من اعتداءات إرهابية تتبناها تنظيمات هلامية لم يعد يختلف في المبعث والمصدر والتقنيات عما يحدث يوميا في سوريا والعراق واليمن وليبيا أو أفغانستان؛ لأن القوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا أو الصاعدة كالصين أو التي كانت إمبراطوريات ثم أفل نجمها كفرنسا وبريطانيا تسعى جميعا لتقاسم الغنائم في مطلع القرن الحادي والعشرين تماما، كما تقاسمت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية غنائم العالم الإسلامي العثماني في بداية القرن العشرين بواسطة معاهدة سايكس بيكو يوم 16 مارس 1916. نعم! إن التاريخ كما يقول (فرناند برودل) فيلسوف التاريخ هو مسلسل إعادة إنتاج للفواجع الإنسانية بأشكال مختلفة، لكن بذات المنطلقات ونفس الآثار والتداعيات الفادحة. ونحن العرب إذا لم نستيقظ على هذه الحقائق الخالدة والنواميس الدائمة في منطق التاريخ، سنجد أنفسنا بعد صفقات تقاسم الغنائم مجرد بضاعة بخسة الثمن في سوق المزايدات الدولية، بلا أي تحكم في مصائرنا. وأنا أُكْبِرُ في القيادة القطرية تمسكها بالحقوق الفلسطينية ورفض التنازلات عن هذه الحقوق في جميع المحافل الدولية. إن مشروع صفقة القرن الذي يدعو إليه الغرب لا يخفي برامجه وراء الأصباغ والمساحيق، بل يعلن أن الغايات الأمنية هي الأولوية وأمن إسرائيل أولا ثم إنشاء دولة فلسطينية بعاصمة بديلة وحدود مجهولة، مع أن حكومات الغرب هي سيدة العارفين بأن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 1967 جعل تأسيس دولة فلسطينية أمرا مستحيلا! كما أشار إليه صاحب السمو أمير قطر على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن هل يمكن حماية الغرب من أشباح التهديد الإرهابي دون إيجاد الحلول الجذرية والعادلة والشاملة لقضايا فلسطين واستتباب السلام في العراق وسوريا واليمن وليبيا؟ وهل يكفي أن تنسق الدول على ضفتي المتوسط جهودها في البر والبحر حتى يغيب شبح العنف نهائيا؟ إن الغرب بما فيه الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي ما يزال يتعثر ويتلعثم ويتردد أمام مأساة شعب فلسطين التي تدفع دفعا إلى الحرب الشاملة، في حين يتحول المشرق العربي تدريجيا وبخطى ثابتة إلى ما سماه رئيس أركان الجيش الفرنسي بالماخور العجيب! أما حماية أوروبا من الهجرة السرية، فلن تنجزها بعض خافرات السواحل حتى لو اجتمعت قيادات الحرس الحدودي في البحر الأبيض المتوسط شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، لأن الحل الجذري إلى جانب الحراسة الحدودية هو إقامة الشراكة الاقتصادية الحقيقية بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، والذي ظل حبرا على ورق برشلونة واتفاقيات خمسة زائد خمسة منذ عشرين عاما، مع أن أوروبا تعلم أنها هي ذاتها لم ينقذها ولم ينهض بها بعد ويلات الحرب العالمية الثانية سوى اتفاق شراكة مارشال الذي أنفقت فيه واشنطن على الحليف الأوروبي المعاق 68 مليار دولار! فماذا تفعل أوروبا اليوم تجاه المغرب العربي، وهو الإقليم الذي يشتبك أمنه مع أمن أوروبا التي لا تبعد عنه سوى 14 كيلومترا، وكذلك يرتبط نموه الاقتصادي بنمو أوروبا أكثر بكثير من بلدان أوروبا الشرقية، بالغضافة إلى أن وشائج الثقافة والتاريخ والحضارة شكلت جسورا طبيعية بين شمال وجنوب البحر المتوسط.