11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأشهر الحرم

23 أبريل 2015

قد جعل الله عز وجل الأيام بين الناس دولا، والعمل الصالح فيها شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام، حتى تنمو وتثبت وتؤتي ثمارها، فللأشهر الحرم مكانة عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم ومن اختياره وتفضيله اختيار بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حرما قال تعالى:( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)التوبة: 36،أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل كل فعل قبيح من المعاصي والمنكرات وما يبغض الله تعالى، فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والتحذير من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله، ولذلك حذرنا الله في الآية من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم للنفس يشمل المعاصي، فإنه يحرم في جميع الشهور ولاشك أن لشهر رجب مكانة عند الله تبارك وتعالى، فهو أحد الأشهر الحرم التي كرمها الله جل ذكره في كتابه ونهى الناس عن الظلم فيها، ولا يعني هذا أنه يجوز تخصيصه بعبادة معينة دون غيره من الشهور لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فتخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا يجوز لأنه لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع، فليس للطاعات موسم معين، ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي، بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره.لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات،وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية،لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فقد اختار الله من الأزمان أياما مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات اصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا، يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة، ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبدا فبلغ بها درجات الرضا والرضوان، فالمسلم يفرح إذا أحسن استثمار أيام الطاعة التي ينعم الله تعالى بها علينا ويرشدنا لاستغلالها، فيجتهد الجميع لنيل الدرجات والحصول على الثواب والتنافس في الخيرات والتي منها الحرص على الأعمال الصالحة مثل الرجاء وكثرة الدعاء والخوف من الله أي أن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته ورجاء قبول العمل مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعا وخوفا وخشوعا لله تعالى فيزيد إيمانه ويحرص على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات.وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله وكرمه على عبده إذا فعل حسنة، لذا يجب أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها فنحافظ عليها ونزيد عليها شيئا فشيئا للوصول إلى الثبات ولنحافظ على الاستقامة والمداومة على العمل الصالح، فإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد مواسم الطاعة، فمن المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها وفوائدها وآثارها والأسباب المعينة عليها وهدي الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه}، فمن أهمية المداومة على الأعمال الصالحة دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتا وتعلقا بالله عز وجل وتوكلا عليه ومن ثم يكفيه الله همه لأن الأعمال المداوم عليها أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".