12 سبتمبر 2025

تسجيل

العقول المهاجرة

23 أبريل 2006

الأسبوع الماضي كتب مراسل صحيفة التلغراف البريطانية عن مقتل عميد قسم الدراسات العربية بجامعة بغداد بعد أن أطلق عليه مجهولون 32 رصاصة، وعلق على أن العقول العراقية هم أبرز ضحايا التصفيات الطائفية الحاصلة في العراق، فمنذ الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق قتل أكثر من 182 أكاديميا عراقيا واختطف 85، لم يعرف مصيرهم بعد، كما قُتل 331 مدرساً خلال الأربعة الشهور الماضية فقط، هذا بالإضافة إلى هجرة الآلاف من الأطباء والفنانين والأكاديمين إلى الغرب طلباً للملاذ الآمن، أي أن العراق ينزف دماً وعقلاً. ما ذكرته أعلاه هو نقطة من فيض . . فخلال بحثي على الإنترنت عن مادة نحتاجها استعداداً للمؤتمر التأسيسي الأول للعلماء العرب المغتربين الذي سيعقد خلال الأيام الثلاثة القادمة في الدوحة، قرأت الكثير من التقارير من أهمها الصادرة عن جامعة الدول العربية واليونسكو والمؤتمرات المشابهة التي تشير إلى أن 25% من خريجي الجامعات العربية يهاجرون للعمل خلال أول سنة بعد التخرج، وأن 50% من العرب الدارسين في الجامعات الغربية لايعودون أبداً لبلادهم، وأن 54% من الأطباء و26% من المهندسين و17% من العلماء العرب المتخصصين يعملون ويعيشون في أوروبا وأمريكا، وأن ثلث العقول المهاجرة من دول العالم الثالث التي استقرت في الخارج جاءت من الدول العربية. هجرة العلماء والاختصاصيين تعتبر أحد أكبر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدول العربية منذ انتهاء حقبة الاستعمار في الخمسينيات، فمع عناصر الجذب الغربي والطرد الشرقي يستمر نزيف العقل العربي بوتيرة تكلف الدول العربية حوالي 2 مليار دولار سنوياً، وإذا كانت هناك ملامة فهي عربية 100%. ومع ما ذكرنا عن العراق إليكم بعض الأمثلة الأخرى: عالم رياضيات فذ كتب مقالاً انتقد فيه السلطة في بلاده، سجن لمدة ثلاث سنوات ثم ضيق عليه وعلى أسرته بالإقامة الجبرية لمدة 16 سنة أخرى. . عالم آخر عاد إلى بلاده بعد دراسة وخبرة عمل لأكثر من 20 سنة أملاً في خدمة بلاده في المجال العلمي الذي تخصص فيه، انتهى به المطاف منتحراً بعد أن عين في منصب إداري لا يمت إلى تخصصه بشيء. أما عن أسباب هجرة العقول العربية، فقد أسهب فيها الكثير من التقارير والمؤتمرات، ولكنها غالباً ما تبدأ برحلة بحثاً عن مؤهلات أعلى وحياة أفضل وتنتهي هرباً من البيروقراطية الإدارية والاضطهاد السياسي وانعدام الإنفاق العلمي، رحلة طالب العلم العربي تستغرق حوالي 5 سنوات، ترعاها الدولة بمؤسساتها وأفرادها بالإنفاق بمبالغ تتراوح بين 100 و350 ألف دولار، حسب التخصص والجامعة والبلد. فتخيل مدى استفادة المؤسسات الغربية التي حصلت على ثمرة يانعة تم اختيارها بعناية لتخدم المؤسسات الغربية بدون أن تصرف عليها دولاراً واحداً. اساس النهضة التنموية في قطر كما أكد عليه سمو أمير البلاد المفدى يرتكز على أن المواطن هو أهم موارد الدولة، وعليه كانت المبادرة الكريمة التي أطلقتها سمو الشيخة موزة حرم سمو أمير البلاد المفدى بالاستثمار في الإنسان القطري، وذلك بتطوير المستوى التعليمي في البلاد، حيث تم إنشاء المجلس الأعلى للتعليم ليضع أساسيات وآليات الاستفادة القصوى للنظم التعليمية والتربوية في شتى المراحل. واهتمت بإنشاء مدينة للعلم والعلماء باستقطاب أبرز الجامعات الغربية في التخصصات الأدبية والعلمية والطبية والتكنولوجية لتنشئ أفرعا لها في قطر، كما أنشأت مراكز للأبحاث وتنمية المجتمع، وأصبحت (مؤسسة قطر) بعمرها القصير - 10 سنوات - مثالاً يحتذى به في تحويل الرؤى والأحلام إلى واقع ملموس . وغداً تستضيف قطر أعلام العلوم العرب المغتربين لمؤتمرهم التأسيسي الأول وهو من حيث مكان انعقاده والجهة التي ترعاه لن يكون - بإذن الله - كغيره من المؤتمرات التي تخرج بتوصيات وتشكل اللجان ثم تحفظ ملفاتها في الأدراج، بل لاتستبعدوا أن تكون آلية العمل قد بدأت بالفعل قبل انتهاء المؤتمر، وهذا ليس بغريب على بلد بدأت تحط وتستقر فيه العقول المهاجرة، ورأت فيه خير ملاذ ومأوى يُقدر العلم والعلماء.  * فاصلة أخيرة:  أحد الكُتّاب يقول: إن هجرة العلماء هي أكبر عملية (إخصاء) يتعرض لها العالم العربي دون أن يدري! !