19 سبتمبر 2025
تسجيلأتانا خير هلال، فمرحبًا يا خير شهور العام.. عاد رمضان من جديد، فعودًا حميدًا يا شهر الصيام، كم اشتقنا لبلوغك هذا العام، فالحمد لله الذي مدَّ في أعمارنا حتى أظلنا شهر القرآن، عاد رمضان يحمل لنا معه نسائم الخير والبركة وأعظم المنح والجوائز؛ فرمضان موسم العبادات بشتَّى أنواعها وأشكالها التي نرتقي بها إلى صفة المتقين. كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 83). فرض الله الصيام على المؤمنين به وبشريعته التي أنزلها على رسوله؛ لأن الله - عز وجل - يعلم أن في الصوم ارتقاء ونقاء يوصِّلان العبد إلى منزلة المتقين الذين يحبهم الله؛ لذا جعل الله ثواب الصوم مبهمًا على عكس سائر الفرائض والأعمال. ففي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به» (رواه البخاري ومسلم). واختصاص الصيام بهذه الأفضليَّة دليلٌ على عظمة الصيام، لا سيَّما الفرض، كشهر رمضان المبارك، وجعل الله جزاءه غير معلوم لاعتبارات كثيرة ذكرها أهل العلم، أولها: أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره من العبادات. قال القرطبي: لمَّا كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطَّلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا لهذه العبادة. ويقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: إن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال؛ وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ إياه، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه؛ لأنه سِرٌّ بَينَ العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلَّا الله. فإن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّنًا منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولهُ؛ لأنه يعلم أن له ربًّا يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيه ذلك، فيترُكه لله خوفًا من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: «يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي». وتظهرُ فائدة هذا الاختصاص يوم القيامَة. قال سُفيان بن عُييَنة - رحمه الله -: إذا كان يومُ القِيَامَة يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدِّي ما عَلَيه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ الله عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّة بالصوم. هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل للصائمين لأنهم اختاروا مراد الله وتغلَّبوا على فطرتهم في سبيل طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه. فالامتناع عن كل ما تحب النفس وتشتهي في نهار رمضان يعلِّمنا الصبر والصدق ويقوِّي العزيمة ويرفع الهمَّة؛ لأنك تغالب طبع فطرتك، هي تطلب الملذَّات وأنت تمنعها لأنك صائم، فلنحمد الله الذي بلغنا رمضان وأعاننا على الصيام والقيام، فعودة رمضان كل عام لها لذَّة تنقِّي النفوس وتعطي للقلوب فرصة للارتقاء، وكذلك الأبدان يطهرها الصيام ويحثها على النشاط والاجتهاد في العبادة، وهذا كله يؤدِّي إلى تقوى الله تعالى، فلنجعل رمضان هذا العام عودة من جديد لكل طاعة تكاسلنا فيها وكل خير توقفنا عن فعله على مدار العام وانشغلنا في أمور حياتنا انشغالًا كبيرًا، عاد إلينا رمضان لنجدِّد العهد مع الله ونعود إليه بتوبة صادقة خالصة ونجاهد أنفسنا إلى الوصول إلى مرضاته والفوز بجناته. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوفيق في رمضان وأن يمنحنا العزيمة القويَّة وأن يعيننا على الصيام والقيام وفضائل الأعمال في هذا الشهر المبارك.. اللهم آمين.