14 سبتمبر 2025

تسجيل

عالم المنافسة العالمية والمصالح السياسية المتعارضة !!

23 مارس 2014

بعد أزمة جزيرة القرم والتصويت على انفصالها عن أوكرانيا، بانضمامها إلى روسيا الاتحادية، من خلال اختيار شعب إقليم القرم، ظهرت على السطح، المصالح المتعارضة بين الغرب وروسيا، وتقديمها إلى الاختيارات الشعبية، وهذا ما يفعله الاتحاد الأوروبي، من خطوات يزمع اتخاذها لمعاقبة روسيا على قبولها الاستفتاء الشعبي! وهذا ما يبرز أن نهاية الديمقراطية بدأت تظهر كما قال عنها بعض الباحثين الغربيين وأنها سوف تتقدم على الاختيارات الشعبية، ومن هؤلاء الباحث الفرنسي (ماري جيهينو) في كتابه [نهاية الديمقراطية] وخصص فصلاً كاملاً عن عصر الهيمنة العالمية. وحدد هذا الباحث في هذه النقطة بأن التطور المعرفي الجامح في هذا العصر يفوق السياسة، فالسياسة ليست المحصلة البسيطة للمصالح الخاصة بل تفترض وجود عقد اجتماعي يسبق كل العقود الخاصة ويتجاوزها. ولم تم التخلي عن تلك الفرضية وتحولت السياسة إلى سوق تتحدد فيها "قيمة" المصالح القائمة، لأصبح الحيز السياسي مهدداً في الحال بالزوال لأنه لا توجد سوق تحدد "قيمة" المصلحة الوطنية وتقرر حيز التضامن. وإذا غدا التجمع الوطني اختياراً لا أحد المسّلمات، فلن تتوفر أبداً لأي شخص إمكانات إقامة ذلك الاختيار على نفس المعايير الرشيدة التي يسترشد بها عند إدارته لمصالحه. ومن الواضح أن أي قانون اقتصادي لا يستطيع أن يحل محل الواقع الإقليمي والتاريخي للأمة.وتحويل الدفاع عن المصالح إلى حرفة يذيب السياسة من كثرة المواجهات الخاصة. وإذا كان الوعي بالمصير المشترك، بما يتضمنه من ذكريات وبالتالي من حوافز للانطلاق نحو المستقبل، لا يزال قائماً هنا أو هناك فهو ليس نتاج الاحتراف في مجال المصالح. فمنطق هذا الاحتراف يؤدي في الواقع إلى أقصى حدود التفتت. ففي غياب مبدأ منظم للأمور معترف به من الجميع ويعلو على المصالح الخاصة، فإن المنزلق الطبيعي لكل فرد يكون الانطلاق إلى أقصى حدّ ممكن دفاعاً عن مصالحه. فباسم أي مبدأ يمكن أن تكون هناك حدود لذلك الانطلاق؟ والواقع أن هذه المقولات تتوافق مع انبعاث هذه التوجهات الجديدة للعولمة بما تحمله من مفاهيم مغايرة للسياسة الراهنة التي تقاد من الدول الصغرى على سبيل المثال، فالتحولات المعاصرة "المرافقة لمتغيرات هذا العصر، وعقد التسعينيات تحديداً ـ وما بعدها ـ سوف تؤدي إلى نوع من القطيعة المعرفية في مجال الفكر السياسي، مع بارديم (paradigm) الحداثة "التقليدية" الذي ساد دون معارضة جدية حتى وقت قريب. ذلك الباراديم الذي يدور حول مفاهيم سياسية ولدت وترعرعت ونضجت في مرحلة التحولات الأوروبية الكبرى خلال القرون الثلاثة الماضية، والذي كان هو ذاته قطيعة معرفية مع الباراديم القروسطي. مفاهيم سياسية كثيرة سوف يعاد النظر في مضمونها بناءً على التحولات المعاصرة، لأنها أصبحت ببساطة لا تعبر عن "واقع الحال"، وبالتالي لا تشكل أساساً نظرياً لفهم تحولات هذا الواقع.لكن الباحث محمود حيدر يرى عكس هذه المفهوم المطروح لانحسار السياسة أو إنهاء الدولة المعاصرة، ويعتقد أن الذي جعل بعض الدول تتراجع عن مكانتها سياسياً هو اختلال التوازن بين القطبين العظميين أمريكا والاتحاد السوفييتي، ولذلك استفادت الولايات المتحدة من هذا الاختلال الذي ترافق مع فوضى الجغرافيات السياسية التي رافقت انهيار المعسكر الاشتراكي، مما جعل الولايات المتحدة تبسط سيادتها على العالم، واعتبار القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً بامتياز. ولقد سعت الولايات المتحدة انطلاقاً من كونها مركز العالم المهيمن إلى تفكيك التوحيد العالمي داخل وعائها الخاص. أي ضمن عوامل الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية عن طريق سيطرتها على الشركات المتعددة الجنسيات. لكن يمكن القول إن الجيوبولتيكا الأمريكية أعطت لمفهوم السياسة بعده الأحادي على أساس هيمنة عالمية أحادية القطبية. لقد ذهب عدد من المفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين إلى توصيف المجتمع الأمريكي في العصر ما بعد الصناعي بأنه مجتمع ما بعد الحداثة. فإن هذا المجتمع ـ بحسب جيمس كورث أستاذ العلوم السياسية في كلية سوارشور ـ لا يتسم بمدارس نمطية منهمكة في تعليم جماهيري وفي ثقافة قومية راقية غالباً، بل إن مجتمع ما بعد المجتمع الحديث يتسم بوسائل إعلان منظمة منهمكة في التسلية الجماهيرية في ثقافة دولية وشعبية أو متدنية عادة، إن مجتمع ما بعد العصر الحديث لا يتسم بوجود جيوش تقليدية تقوم على التجنيد الإجباري الجماهيري وتوفر الدفاع القومي، بل اتسم في البدء بوجود الأسلحة النووية التي توفر الردع الموسع لأحلاف دولية دائمة (مثلما حدث مع حلف الأطلنطي). فالعولمة بما هي أنساق فكرية وسياسية متعدد الأهداف والمرامي تسعى بقوة إلى إحلال مفاهيمها السياسية والفكرية، ولذلك سعت العولمة إلى رسم صورة نظام دولي يتجه نحو توحيد مناهجه وقيمه وأهدافه، مع طموحه في الوقت عينه إلى دمج الإنسانية كلها داخله. وبطبيعة الحال تبدو هذه العملية المستحدثة في التاريخ، بأنها تدعم فرضية "التقارب" بل وترسّخها. والواقع أنها تكشف عن العديد من أنواع التنافر وعدم الاتساق حين تحدد نطاق هذا النظام. فعندما تحثّ على استيراد نماذج غربية إلى مجتمعات الجنوب تكشف بذلك عن عدم ملاءمة هذه النماذج. وعندما تحرّض المجتمعات الطرفية على التكيّف، وتوقظ أيضاً آمال التجدد، مع المخاطر، في الوقت ذاته بخداعها. وحين تعجّل بتوحيد العالم، فإنها تحبّذ ظهور التفردات وتزيد تأكيدها وحين تمنح النظام الدولي مركزاً للسلطة مركّباً أكثر من أي وقت مضى، فإنها تتجه نحو زيادة حدة منازعاته وشدة صراعاته. وحين تسعى "العولمة" نحو وضع نهاية التاريخ، فإنها تمنحه فجأة معاني متعددة ومتناقضة. إن المجتمعات غير الغربية، ولاسيَّما منها تلك التي تنتمي ـ عرفاً ـ إلى ما يسمى العالم الثالث، فأمرها مع متناقضات "العولمة" ومفارقاتها في منتهى المرارة. فإن التوحيد المزعوم، الذي ينبغي أن يستنقذ تاريخها من "التأخر الأبدي" بدا كما لو أنه يعيد تأسيسه من جديد. ولا شك أن تطبيق العولمة بلا محاذير أو تدرجات في تعاطيها مع الدول سياسياً سيكون له تفاعلات سلبية كبيرة على تماسك الدول ـ خاصة دول العالم الثالث التي تعاني في الأساس من الكثير من المشكلات العالقة سيما مشاكل التخلف والفقر والفساد الإداري وغيرها من المشكلات السكانية المتفاقمة منذ عقود. فقائمة "فشل شيئاً" تفقد الحكومات في أرجاء المعمورة قدرتها على أخذ زمام المبادرة في توجيه تطور أممها. فعلى كل الأصعدة يتضح للعيان الخطأ السائد في نظام التكامل العالمي: فمع أن تدفق السلع ورأس المال قد اتخذ أبعاداً عالمية، إلا أن التوجيه والرقابة ظلتا مهمة وطنية.لقد صار الاقتصاد هو المهيمن على السياسة.لكن هل تنجح هذه السياسة إلى موت السياسة عالمياً أو انتهاء الدولة وانحسارها وفق توجهات أحادية وقراءة كونية عامة على كل البشرية؟ وقد استطاعت أوروبا أن تقوم بأنواع من الالتفات على المشاكل والأزمات التي تعرضت لها نتيجة ذلك. منها الرضوخ لمطالب العمال في تحسين ضعيتهم وإقرار خدمات اجتماعية تخفف من وقع الأزمة.. الخ. وبذلك استطاعت أن تتكيف مع تلك الوضعية وأن تكذب ما ذهب إليه ماركس في توقعاته من حتمية انفجار تناقضات النظام الرأسمالي وقيام الاشتراكية مكانه. وليس من المستبعد كما يقول الجابري أن تقوم ردود فعل شبيهة بتلك، تخفف من أخطار العولمة وسلبياتها، وتحتفظ للدولة الوطنية بدورها في حماية مصالح أقطارها وتوجيه اقتصادها والدفاع عن مصالحها. والآراء والتصورات التي عرضنا لها هي نفسها من جملة ردود الفعل هذه. وإذا كان فيها ما ينزع نحو المبالغة فإن هذا النزوع دليل على الوعي بالمشكل المطروح وبأخطاره المحتملة. ويمكن القول إن هناك الآن وعياً متزايداً بضرورة الانتظام في مجموعات متعاونة متضامنة تدافع عن مصالحها كمجموعات وكأعضاء، ليس فقط إزاء أي طموحات هيمنة باغية، بل أيضاً من أجل توفير الشروط الضرورية للتنمية واكتساب القدرة على الصمود في عالم يبدو أن المتنافسة ستلعب فيه دوراً تتزايد أهميته وخطورته في الوقت نفسه.