15 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ السابع من أكتوبر 2023 لا تسمع في إعلام المحتل وإعلام حلفائه كلمة (احتلال أو استعمار!) وهذا التحيل العنصري الواسع مستمر منذ نكبة الشعب الفلسطيني عام 1947 بإنشاء كيان يهودي (كما سماه اللورد بلفور) وزير خارجية بريطانيا عام 1917 ولم يكتب مصطلح (دولة إسرائيلية) وحتى عندما اعترف القانون الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة بأن حالة فلسطين هي حالة استعمار شعب لشعب آخر بدأت عملية تعويض القانون الدولي بقانون أمريكي أصبح هو الذي يقرر «الحقوق» ويعلن الحدود ويسن العقوبات وهكذا في كنف نظام استعماري جديد نعتوه بالعالمي نكتشف أن سبيل المقاومة للمحتل يبقى فرض عين على أمتنا، شعوبا وحكومات، مع الإلحاح على أن فلسطين ترزح تحت نير آخر استعمار في العالم! وعنوان مقالي هذا هو ما قاله حضرة صاحب السمو أمير قطر في مناسبات عديدة ليقينه، حفظه الله، أن الاحتلال هو الذي يخرق الشرعية الدولية. كما يجدر التذكير بموقف الزعيم بورقيبة في خطابه الشهير في مخيم أريحا الفلسطيني يوم 5 مارس 1965 حين دعا فيه اللاجئين تحت الخيام إلى تغيير أساليب مقاومتهم لما سماه بورقيبة «آخر استعمار بعد تحرير الجزائر» وكان الزعيم التونسي متأثرا بأوضاع الفلسطينيين ويعتبرها نتيجة السياسات الناصرية والبعثية الشعبوية التي تحركها الحماسة ولكن تفتقد إلى عقل ومنطق وتخطيط ثم تحولت سياسات جامعة الدول العربية منذ أمينها العام المؤسس عبد الرحمن عزام باشا إلى أمينها العام الراهن إلى ظاهرة صوتية وجعجعة بلا طحن والزعيم بورقيبة الذي قارع الاستعمار الغاشم على مدى أربعين عاما أخذ في الاعتبار دائما واقع اختلال توازن القوى. المهم لدينا نحن العرب ألا نظل غافلين مغفلين بينما يشتد بأس اليمين العنصري المتطرف ضد فلسطين كما هوشأن حكومة نتنياهو المتحالفة مع العنصري بن غفير والأحزاب اللاهوتية. تقول أخبار غزة هذه الأيام: «وبحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس: قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 30 ألف شهيد منذ طوفان الأقصى وإصابة 70 ألفا نصفهم من الأطفال الأبرياء والحرائر في بيوتهن والشيوخ والمرضى في المشافي مع بلوغ عدد الصحفيين الضحايا 130 وهو يفوق بضعفين عدد ضحايا الصحافة خلال الحرب العالمية الثانية!! كما قتل المحتلون 170 من موظفي الأونروا و140 من الأطباء والممرضين والمسعفين! ورفع العنصريون وأعداء فلسطين والإسلام شعارات تزوير مفادها أن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها»! يعني أننا كما تكهن بورقيبة منذ 60 سنة نصارع استعمارا يعتبر الأخير في العالم! أو اعتقدنا أنه الأخير! وفي قلب أحداث المقاومة المشروعة التي تعصف هذه الأيام في أرض فلسطين سطع الأمل بميلاد حركات مقاومة جديدة لم يتعود عليها الاستعمار غير الشرعي، يحضرني أكثر من أي وقت مضى مثال تحرير الجزائر العربية المسلمة من طاغوت استعمار استيطاني أوحش وأخطر من أي استعمار! وكأن أحداث فلسطين اليوم هي ما كنا نتابعه على أمواج إذاعة (صوت الجزائر) من تونس أعوام 1956 وما بعدها.. وكان الزعيم بورقيبة قال في (مارس) 1965 بأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو واقع استعماري وأنه آخر استعمار في التاريخ الحديث ثم إن الاعتبار بالتاريخ القريب أمر ضروري ونحن نعيش مخاض الحرية وصحوة الإسلام في فلسطين لأن التاريخ قدم لنا النموذج الجزائري وهو مثال حي قائم أمامنا، فالجزائر استقلت عام 1962 بعد ثورة شعبية عارمة تفاعل معها جيلي وآمن بها وتعلق بنصرتها وعاشها بتفاصيلها يوما بيوم على الأنغام الرجولية الصامدة لنشيد الثورة الذي كتبه المرحوم الشاعر مفدي زكرياء: «قسما بالصاعقات الماحقات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا الله أكبر فوق كيد المعتدي… إلخ». ما أشبه الجزائر بفلسطين وما أشبه ثورتها الراهنة بأحداث مماثلة عاشتها شوارع القصبة وشارع ديدوش مراد وعنابة ووهران وجبال الأوراس… لكن وجه الاختلاف واضح في التعامل العربي الإسلامي مع الثورة. فالجزائر ابتليت باستعمار استيطاني عنصري فرنسي عام 1830 وقام فيها الأمير الشاعر عبد القادر مثلما قام في فلسطين الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام وبالطبع لا يمكن أن ينسى أي عاقل تضحيات إخوتنا المشارقة إلى جانب فلسطين فقد خاضت مصر وسوريا والأردن ولبنان حروبا معروفة وهبَّ العرب أجمعين ولم يترددوا في نصرة فلسطين انطلاقا من أن قضية القدس هي قضية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. لكن وجه الاختلاف بين مثال الجزائر ومثال فلسطين هو ما حدث من تداعيات إستراتيجية إقليمية ودولية حالت دون تواصل النصرة بدعوى إنجاح عملية السلام.. فعاد أبوعمار إلى جزء ضئيل من الأرض المحتلة وتم تأجيل كل الملفات الساخنة إلى أجل غير مسمى وأهمها ملف القدس وملف اللاجئين وإقامة الدولة… وأصبحت كل حدود الدول العربية حدودا آمنة لإسرائيل دون أن تتفاعل إسرائيل بإيجابية مع ما سُمي بخيار السلام العربي بعد أن تأكدت إسرائيل من أن خيار المقاومة تم إسقاطه وإجهاضه مما يجعل (السلام) استسلاما ولم تهب حركة طوفان الأقصى إلا بعد اليأس التام من أوهام السلام المغشوش واكتشاف حقيقة إسرائيل والغرب الصليبي المتمثلة في تصفية القضية الفلسطينية نهائيا!