13 سبتمبر 2025
تسجيلثمة خطر حقيقي باتت تمثله الجماعات والتنظيمات التي ترتدي حلة الإرهاب، والتي لا يقف تهديدها عند حد محاولة تقويض الدولة الوطنية في النظام الإقليمي العربي, بل مجمل أمنه القومي, وهو ما يستوجب البحث عن إطار مغاير, لكل الأطر والقنوات والمنافذ المتاحة حاليا, فضلا عن التصورات القائمة للتعاطي بحسم مع هذا الخطر، وذلك بعد ثبوت فشلها في التصدي للظاهرة التي توصف في الأدبيات السياسية بالآفة إن لم تكن قد أسهمت في توسيع هامشها وتمددها مثلما حدث في الأشهر القليلة المنصرمة فتمدد تنظيم مثل داعش في مساحات شاسعة في كل من العراق وسوريا وأخيرا وجد له موقع قدم في ليبيا، وأعلن عن حضوره بقوة في كل منطقتي درنة وسرت وقدم أوراق اعتماد هذا الحضور, عبر الإقدام على إعدام 21 عاملا مصريا ينتمون إلى ديانة أخرى ذبحا بأسلوب شديد الهمجية.والمنظور العربي للتعاطي بحسم مع الإرهاب بات عنوانا دائما, في كل لقاء ومنتدى ومؤتمر, سواء بمشاركة النخب الرسمية أو النخب السياسية والفكرية وهو أمر محمود, بيد أنه لم ينتج حتى الآن سوى تصورات غير قادرة على ملامسة الواقع, وتتسم بالفعالية المحدودة في تحليل الظاهرة ومنهجية العمل للخلاص منها ليس على المدى المنظور, ولكن على المدى البعيد, حتى تتفرغ مجتمعاتنا العربية للبناء, عوضا عن تركيز جهودها ومقدراتها وطاقاتها في حروب داخلية مع تنظيمات تشرع سيف التمرد تحت راية الإسلام. وفي هذا السياق, ثمة طروحات ظهرت في الآونة الأخيرة تدعو إلى فكرة بناء قوة عربية مشتركة لدحر الإرهاب, كان في مقدمتها اقتراح الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية, والذي جاء ضمن الدراسة المهمة التي أخذت عنوان "صيانة الأمن القومي العربي"، وتقدم به للاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة, الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية منتصف يناير الماضي, والذي يستند إلى ميثاق الجامعة العربية الصادر في العام 1947, واتفاقية الدفاع العربي المشترك المبرمة في العام 1950 والبروتوكولات الإضافية لها التي تتضمن إيجاد نظام دفاعي إقليمي مشترك مرن, ومتكامل للدفاع الجماعي وحفظ السلم والأمن في المنطقة, وإنشاء قيادة عامة موحدة لقوات التدخل العسكرية, وفقا لمقتضيات المعاهدة أو أي صيغة أخرى يتم التوافق عليها. واللافت أن الاقتراح تضمن الدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع العربي المشترك (وزراء الخارجية العرب ووزراء الدفاع لبحث إمكانية تشكيل قوات التدخل العسكري العربي والآليات اللازمة لعملها ومرجعياتها السياسية والقانونية ووسائل تنظيم عملها وتشكيلاتها العسكرية والدول الأعضاء والمساهمة فيها, إلا أنه سرعان ما صدر تصريح من الأمانة العامة للجامعة, ينفي مثل هذه الدعوة, الأمر الذي عكس قدرا من التباين في مواقف الدول العربية خلال الجلسة المغلقة, التي عقدها وزراء الخارجية في اجتماعهم الطارئ لبحث هذه الدراسة, التي قام الأمين العام للجامعة بإعدادها بناء على تكليف سابق من وزراء الخارجية العرب, فتقرر إجراء المزيد من المناقشات في قطاع الأمن القومي بالجامعة وهو قطاع مستحدث ضمن هيكلية الأمانة العامة ومكلف بمتابعة كل الشئون ذات الصلة بقضايا الأمن القومي والمهددات التي تواجه النظام الإقليمي العربي.وحسبما يقول السفير محمد صبيح الأمين المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضي المحتلة لكاتب هذه السطور, فإن الجامعة تنبهت مبكرا لهذا الخطر الإستراتيجي, الذي تجسده هذه التنظيمات والجماعات الإرهابية وفي صدارتها "داعش", والذي يسعى إلى زعزعة النظام الإقليمي العربي بأسره , وترويع مواطنيه العرب على الأرض العربية, من خلال استعمال أساليب وحشية قاسية خارجة عن تقاليد هذه الأمة وأعرافها, ودينها السمح بهدف واحد على الرغم من تباين مسميات هذه الجماعات والتنظيمات, يتمثل في محاولة النيل من الدين الإسلامي وسمعة المسلمين والإسلام عبر عمليات وحشية إجرامية, تجلت في آخر مظاهرها في هذا العمل الإجرامي الذي أصاب مجموعة من المواطنين المصريين الآمنين العزل, والتعامل بهذا القدر من القسوة معهم مما استوجب إدانة عربية شاملة لهذا الفعل. وفي ضوء هذه المعطيات, فإنه بات من الضرورة بمكان, بلورة موقف عربي موحد, في التعاطي بفعالية مع المخططات التي تعمل هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية على تنفيذها في المنطقة العربية. وقد سألت ضمن بحثي عن كيفية التعامل مع هذه الإشكالية السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون العربية, عن منظوره لتشكيل قوة عربية مشتركة, فأفاد بأنه كان من أوائل من طرحوا مثل هذا المقترح, في كتابه الذي أصدره في العام 2010 بعنوان"الدبلوماسية المصرية والهموم العربية", مضيفا: لقد طالبت آنذاك بتشكيل قوة عربية للتدخل السريع في حالات الطوارئ ووجود أي مهددات لأمن إحدى الدول العربية, وذلك تنفيذا لجوهر اتفاقية الدفاع العربي الموقعة بين الدول الأعضاء بالجامعة العربية في العام 1950, أي بعد تأسيس الجامعة بخمس سنوات, ومنذ ذلك التاريخ لم يتم تحديث أي آلية للتعاون العسكري فيما بين الدول العربية باستثناء تأسيس مجلس للأمن والسلم, والذي ما زال يخضع للدراسة, ومن ثم فإنه بات مطلوبا بإلحاح تشكيل قوة عربية تضم الدول الأعضاء بالجامعة العربية الراغبة في الانضمام إليها, والقادرة والفاعلة مثل مصر والسعودية والإمارات والمغرب والجزائر وغيرها, بما يتفق مع أهداف ميثاق الجامعة وكذلك ميثاق الأمم المتحدة. وتكمن الأهداف المنوطة بهذه القوة- كما يقول - في التعامل مع التنظيمات الإرهابية,عندما تعرض أمن إحدى الدول العربية للخطر مثلما حدث مع كل من العراق وسوريا ومصر وليبيا, إلى جانب توفير الحماية للمدنيين في أي دولة عربية عندما يواجهون أي مخاطر, بالإضافة إلى إمكانية القيام بتنسيق توصيل المساعدات الإنسانية, ومساعدة اللاجئين والنازحين, والعمل على إعادتهم إلى مناطقهم وغير ذلك من مهام تستوجب وجود مثل القوة المشتركة. على أية حال، فإن خيار تشكيل هذه القوة, بات مطروحا داخل أروقة الجامعة العربية التي تقوم قطاعاتها السياسية والأمنية بدراسته بتوسع وعمق على نحو يدفع به ,إلى الواقع العملي- وحسب مصدر رفيع المستوى بالأمانة العامة للجامعة العربية- فإن هذا الخيار سيكون على رأس الملفات التي سيتم طرحها على القمة العربية السادسة والعشرين التي ستعقد بشرم الشيخ يومي 28 و29 مارس المقبل بعد أن يتم إقراره من قبل الاجتماع التحضيري للقمة ضمن الدورة الـــ143 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية, في الأسبوع الأول من الشهر نفسه. ويأتي تنظيم "مؤتمر الأمن الإقليمي والتحديات التي تواجه الدول العربية "والذي ينظمه المجلس المصري للشؤون الخارجية بالتعاون مع جامعة الدول العربية، اليوم الإثنين والذي سيشارك فيه نخبة من أبرز رؤساء مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية العربية كخطوة ممهدة لتعاطي وزراء الخارجية العرب والقادة العرب مع المسألة الإرهابية, خاصة أنه سيركز على اقتراح عدد من الإجراءات والتدابير العملية القابلة للتنفيذ لمكافحة الإرهاب, في مقدمتها الإمكانيات المتاحة لإنشاء منظومة دفاعية وأمنية عربية مشتركة لمواجهة التنظيمات الإرهابية.