13 سبتمبر 2025
تسجيلفجّر الكاتب والمحلل السياسي المصري محمد حسنين هيكل، منذ عدة أسابيع في أحد أحاديث في قناة فضائية مصرية قضية استقلال البحرين والجزر الإماراتية، أثار الكثير من ردود الأفعال المعارضة لما قاله في هذا الحديث، والأغرب أن هذا الحديث المستفز، جاء بعد شهر، من زيارته هيكل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة إمارة دبي، ولقاءه مع أميرها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوب، وعدد من المسؤولين! ومما قال الأستاذ/ هيكل في هذا الحديث: "إنه كان حاضراً إبان عهد نظام الرئيس جمال عبد الناصر في المفاوضات بشأن الجزر العربية المتنازع عليها مع إيران، في الوقت الذي كانت فيه دول الخليج العربي تتأهب لنيل استقلالها» مضيفا في فقرة أخرى من الحديث أن» أن العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، كان يقود هذه المفاوضات، وأن الدول العربية قبلت بأن تكون البحرين دولة عربية رغم أن أغلبية 70% من سكانها شيعة، مقابل مبادلتها بالجزر الإماراتية الثلاثة". ثم يستطرد في هذا الحديث بقوله إن «العرب فرطوا حينها في الجزر لإيران"؟!والحقيقة أن هذه الأقوال جديدة على أسماع المتابعين لقضية الجزر الإماراتية، وقضية استقلال مملكة البحرين، فهذا الذي يطرحه الكاتب محمد حسنين هيكل، يعيد الى الأذهان التناقضات والتقلبات في آرائه وتحليلاته التي يشوبها التزييف والتحريف، ترتقي الى الكذب الصريح منه إلى الاحتمالات والتوقعات في مناسبات كثيرة. فقضية استقلال البحرين، من المملكة المتحدة، جرى بعد ادعاء الشاه بتبعية البحرين إلى إيران، وبعد الضجة والردود العربية والدولية على هذا الادعاء الإيراني، تحّرك جلالة الملك فيصل ومجموعة من الدول العربية، باللجوء إلى الأمم المتحدة لحسم هذا الادعاء من قبل شاه إيران، وتم الاتفاق من خلال اقتراح من ممثل بريطانيا في الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دولية لاستقصاء الحقائق تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى إثر ذلك، وصلت اللجنة إلى البحرين، والتقت بشعبها بفئاته المختلفة، والذي تمسك بعروبتها، وعرضت اللجنة تقريرها على مجلس الأمن بحضور الدول المعنية، حيث أكد التقرير عروبة البحرين، وأوصى باستقلالها، وقبلت إيران بتلك التوصية. وهذا تم باختيار سكان البحرين على استقلال بلدهم، كدولة عربية مستقلة، بنظامها السياسي الحالي، وهذا معروف ومنشور ومؤرخ، فمن أين جاءت هذه الفرية الهيكلية الجديدة التي قلبت الحقائق والروايات والشهادات لما جرى في قضية البحرين وعروبتها رأسا على عقب؟! وهذا الاختيار تم من قبل شعب البحرين، بغض النظر إنتماءاتهم ومذاهبهم، وما دخل المذهب بالانتماء والهوية الوطنية ؟، فسكان البحرين اختاروا أن تبقى البحرين عربية مستقلة، سواء كانوا شيعة أم سنة، وهذا حتى من العيب أن يقسم هيكل الانتماء المذهبي للبحرينيين، وكأنه ولاء لدول أخرى بحكم الالتقاء مذهبيا!! وهذا إساءة لأهل البحرين جميعهم بغض النظر عن الانتماء المذهبي لكل سكانها!!أما قضية الجزر الإماراتية، ما أدري لماذا انقلب محمد حسنين هيكل القومي على نفسه، وأقواله وضجيجه حول الوحدة والعروبة من المحيط إلى الخليج؟ وقال أخيرا بأحقية إيران للجزر الثلاث؟ مع أن الجزر عندما كانت تحتلها بريطانيا، ضمن احتلالها للإمارات قبل انسحابها الشهير في عام 1970، لم تقل شيئا عن أحقيتها للجزر إلا بعد ظهور النفط في هذه الجزر، وانسحاب بريطانيا منها !! مع أن المنطق والعقل يؤكدان أن الحق الثابت لا يتغير، ولا يفرط فيه أو يسكت عنه ومهما كانت التحديات لأن السيادة الوطنية تتطلب ذلك وهذا ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة في مطالبتها بالجزر، وكان الأجدى بإيران أن تتمسك بحقها في الجزر ـ إن كان لها حق ـ سواء في ظل الاحتلال، أو في ظل الاستقلال، لكن النفط فتح شهية الكثير من الدول في عقود مختلفة ، وبحكم أطماع الشاه، وسطوته في الهيمنة، والسيطرة على المنطقة، وبحكم علاقاته مع الغرب وتحالفاته الكبيرة معه آنذاك قبل الثورة الإسلامية الإيرانية، والحل الإيجابي لإيران ودولة الإمارات الآن لحل أزمة الجزر هو عرض القضية على التحكيم الدولي، لحل الخلاف، لتبقى حسن الجوار هو الذي يحقق الوئام بين إيران ودول الخليج. ثم الكاتب هيكل ناقض نفسه بنفسه، عندما قال إن («العرب فرّطوا حينها في الجزر لإيران)؟!فإذا كان العرب فرطوا في الجزر، فمعنى هذا أن الجزر عربية، تتبع إماراتي الشارقة ورأس الخيمة؟ وهذا الطرح من الكاتب هيكل يبرز التناقضات والتقلبات الفكرية والسياسية في تحليلاته، وهذا ليس جديدا، فهو يفعل ذلك منذ عقود طويلة !!، ففي كتابه ( لمصر لا لعبد الناصر) الذي صدر في السبعينيات من القرن الماضي، امتدح الرئيس الراحل أنور السادات، وأنه الوحيد من بين أعضاء الضباط الأحرار الذي وقف بجوار عبدالناصر، وقال بالنص في هذا الكتاب المشار إليه إن (أنور السادات في رئاسة الدولة، وهو الوحيد من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي بقى بجوار عبد الناصر وبالقرب منه من البداية إلى النهاية)! مضيفا في فقرات عديدة، إنه تحمل بشجاعة مسؤوليته بالمشاركة في رسم سياسة عبد الناصر إلخ: وبعد اغتيال الرئيس أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981، أصدر هيكل بعدها فترة وجيزة كتابه الشهير (خريف الغضب)، فلم يترك عيبا، أو سلبية فيه، ولم يذكر له ولا حسنة واحدة، طول حياته السياسية، حتى لون بشرة السادات لحقها الاتهام، والغمز واللمز، وهذا متوقع منه، خاصة أن أنور السادات، عندما أخرجه من عرشه في رئاسة صحيفة الأهرام المصرية العريقة، يعتبره من ألد أعدائه الذين لن ينسى لهم ما حدث له، خاصة أن أنور السادات من أجل إغاظته، عيّن بدلا منه مباشرة الأستاذ علي أمين الشقيق الأكبر للصحفي الكبير مصطفى أمين، وقصة الصراع والخلاف بين الأخوين أمين، وهيكل، معروفة لكل المتابعين لما جرى بهما بعد تأميم الصحافة المصرية، ومنها الصحف المملوكة للأخوين، بعد القرارات الاشتراكية التي أصدرها الرئيس بعد في عام وصدر الميثاق 1960. وفي عام 2010، وضمن حلقاته في قناة الجزيرة، فجّر الأستاذ هيكل، قصة غريبة ولافتة ومستفزة، اتهم فيها الراحل أنور السادات، بأنه دس السم للرئيس الراحل عبد الناصر،عندما دخل السادات (كما قال هيكل) إلى المطبخ، وجهّز قهوة عربية لعبد الناصر، وقال إن الرئيس ياسر عرفات كان حاضرا في ذلك اللقاء المسمم!! والغريب أن هيكل قال في كتابه (لمصر لا لعبد الناصر) أن عبدالناصر (كان يعرف أنه لن يعيش طويلا) وأنه بسبب ذلك (دفع عبد الناصر إلى محاولة تحقيق أكثر الكثير من المنجزات في أقل القليل من فسحة الزمن)؟!! ص 26.والأمر اللافت أيضا أن الأستاذ/ هيكل في كتابه (الطريق إلى رمضان)، سرد قصة وفاة الرئيس عبد الناصر، وجهود الأطباء ،ومنهم (طبيبه الخاص د. صاوي حبيب، واستدعاؤه لعدد من الأطباء في محاولة لإسعافه، أنه تعرض لأزمة قلبية حادة) كما جاء في تقرير الأطباء جميعهم! والذي يبعث على الضحك والبكاء معا، أن الكاتب والمحلل السياسي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، كشف هذا السر العظيم بعد وفاة الجميع المتهمين، والأطباء، والشهود!! وهذه فضيحة أخلاقية كبيرة، لن تنسى من التاريخ أبدا. وفي فترة الرئيس حسني مبارك ـ وأنا عشت بدايات تلك الفترة من 82/ 86، أن هيكل كان يمتدح الرئيس مبارك، ويصف لقاءه معه مع العديد من السياسيين، بعد الإفراج عنه بعد حادث المنصة، وبعد ذلك يتحدث في العديد من لقاءاته الصحفية، العلاقة الوطيدة معه، واتصاله به ،في مرضه وفي سفره الخ: وبعد ثورة 25 يناير، وتنازل مبارك عن الحكم، أصدر هيكل كتابه الشهير(مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان)، قال في عصر مبارك أكثر مما قاله مالك في الخمر وأكثر! وهذا من مصائب هذا الكاتب الذي لا يريد أن يحافظ على مكانته الصحفية الكبيرة وتاريخه الكبير، بما يقوله من معلومات، تجعل مصداقيته على المحك، وهذا ما برز في أقواله وتناقضاته الأخيرة التي أصبحت يعرفها محبوه أكثر من معارضيه.. ولله في خلقه شؤون.