18 سبتمبر 2025
تسجيلالأسرة أساس بناء المجتمعات، واللَّبِنة الأولى التي وضعها الله لاستمرار الحياة على وجه الأرض إلى أن تقوم الساعة، ويعدُّ مفهوم الأسرة أو العائلة من الخصائص المميِّزة للإنسان دون سائر المخلوقات على هذا الكوكب الفسيح؛ فالأسرة الصغيرة هي نواة العائلة الكبيرة التي يتكون منها المجتمع بشكل عام، فالأفراد متفرقين لا يُمثِّلون نسيجًا متماسكًا؛ لذا جعل الله تعالى بناءَ العائلة هو الطريق الصحيح لتكاثر بني آدم في الحياة ومن أفضل النعم التي ينبغي الحفاظ عليها. قال تعالى: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [سورة النحل: 72]. وتقدير الأسرة وإعلاءُ مكانتها له أبعاد كثيرة: •أولها: البُعد الديني: فإذا صلَحَت الأسرة في علاقتها بالله والاهتمام بتعاليم الدين؛ انعكس ذلك على صلاح وانضباط أفرادها بلا شك. ويترتب على صلاح الأفراد صلاح المجتمع بأكمله؛ فالأسرة هي التي يتشرَّب منها أفرادها العقيدةَ والأخلاقَ، والأفكارَ والعادات والتقاليد. فالأصل في هدايتك إلى العقيدة الصحيحة بعد مشيئة الله تعالى هي أسرتك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟)) [متفق عليه]. فالأسرة كلما كانت من أهل الصلاح والتقوى والتدين كانت أصلًا يَفتخر به الفروع في كل زمان ومكان؛ لأنهم يأخذون بأيدي أبنائهم وبناتهم إلى الخير وطريق النجاة. يقول الشاعر في وصف قوة الأسرة والعائلة والأخوة: وما المرء إلَّا بإخوانه ** كما تقبض الكفُّ بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة ** ولا خير في الساعد الأجذم ثانيًا: البُعد التعليمي: في مراحل التعليم المختلفة نجد أهمية النسيج العائلي في حياة الأبناء خصوصًا في مرحلة التعليم والانتقال من مستوى لآخر؛ لذا يجب الحرص على بناء الأسرة على أسس ثابتة وأصول سليمة وقواعد ربانية منذ الصغر حتى تستمر معهم هذه الأصول والثوابت إذا اختلطوا بالمجتمع الخارجي في إطار الدراسة. فقاعدة الأسرة أساسها شرع الله وتعاليم الدين الحنيف كالرحمة والرفق والحب والتعاون واحترام الآخر كبيرًا كان أم صغيرًا؛ فبالرعاية والعناية والدفء التي يحظى بها الأبناء في كنف العائلة، وبالطاعة والبِرِّ اللذَيْن يقدمهما الأبناء للوالدين تستمر البيوت وتظل عامرةً مدى الحياة. كما أن الاهتمام بالعاطفة والهوايات والميول الشخصية للأبناء من أهم الدعائم التي تقدمها العائلة لأبنائها، فالجانب العاطفي في العائلة مهم جدًّا للشباب من الجنسين، ووجود أسرة داعمة لهم في الإخفاق قبل النجاح فربما تعرَّض أحد الأبناء لتعثُّر دراسي في بعض السنوات فيحتاج إلى دعم حتى يخرج من اليأس والإحباط ويواصل مسيرته بتفاؤل، وكذلك تشجيع العائلة لأبنائها والاحتفاء بهم في النجاح والثناء على جهودهم أمر يُشعرهم باستقرار عاطفي واتزان نفسي له عائد على حياتهم الشخصية وينعكس ذلك على صحتهم النفسية، فكلما كانت الأسرة تأخذ برأي الأبناء في أمور الأسرة وتحترم وجهات نظرهم يشعرهم هذا بتحمُّل المسئولية وأهمية رأيهم لدى الآباء، وهكذا تكون قد عزَّزت جانبًا شديد الأهمية من الجوانب الأساسية لاستقرارهم النفسي والسلوكي، ويُعدُّ من احتياجات أي فرد طبيعي، وهو جانب التقدير والاحترام والدعم والمساندة. •ثالثًا: البُعد الوظيفي: فالأسرة التي تحافظ على الثوابت الإسلامية ثم العادات والتقاليد الإيجابية بشكل أساسي في حياتها، ينعكس ذلك على مستقبل أبنائها الوظيفي والمهني؛ فكل أصل طيب يُثمر بإذن الله فرعًا طيبًا يحمل الرسالة التي تعلَّمها وتربَّى وترعرع عليها في كنف عائلته المباركة، فكلما كان الأصل يبحث عن المعالي ويتجنب الرذائل كان هذا مدعاةً للافتخار بين أبنائه، فيسيرون على نهج الأسلاف من عُلوٍّ إلى ارتقاء، فيكون أصلهم الطيب سجِلًّا مشرِّفًا يفتح لهم مجالات العمل المهمة والمؤثرة، ويجعلهم محط اختيار للمناصب المرموقة. وكل ذلك استنادًا لتاريخهم العائلي الطيب. •رابعًا: البُعد الاجتماعي: فالأسرة ذات المكانة المرموقة تدعم أبناءها في محيطهم المجتمعي، بمعنى أن المستوى الاجتماعي لهم في الثقافة والمعرفة والعلم، والمعارف والجيران والأصهار يتكافأ مع طبقتهم، فتكون علاقتهم الاجتماعية بالآخرين متوافقة مع تربيتهم وتعليمهم ومكانة هذه الأسرة بين غيرها من الأُسَر؛ فهذا يدعمك في اختيار أصدقائك وزملائك، وكذلك يدعمك في اختيار المصاهرة والنسب الطيب؛ فالأسرة الطيبة المباركة تُعلِي مكانة أبنائها وتكون مصدرَ فخر واعتزاز لهم على المستوى الاجتماعي؛ لذا يجب على الأبناء المحافظة على تاريخ عائلتهم ومكانتها والاستمرار في الارتقاء باسم الدين الإسلامي السمح، ثم المحافظة على مابناه الآباء والأجداد بشكل يتواكب مع العصر الحديث. •خامسًا: البُعد الإنساني: فتقدير الأسرة لأفرادها، له بُعد إنساني عميق ومهم، فمفهوم التقدير من المفاهيم المهمة بين أفراد العائلة لبعضهم بعضًا وحبهم لدينهم ووطنهم وأمتهم، ويعدُّ من الأمور التي تساعد في زيادة مقدار الحب والامتنان بينهم، حيث تساهم الطريقة الجيدة في الحوار، والتقدير أثناء النقاش، والحديث في أي موضوع، واستعمال كلمات الشكر والثناء، والتعبير عن التقدير في اللقاء كل هذه الأمور من أشكال التقدير التي تسهم في زيادة سعادة الأسر وتماسكها والارتباط بين أفرادها مهما بعُدت بينهم المسافات، ولا شك أن عصرنا الحالي فَقَد الكثير من الترابط الأسري بالشكل الذي كان عليه في الماضي، وذلك نظرًا لتعدُّد وسائل التكنولوجيا الحديثة كالإنترنت والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت لكل فرد من أفراد الأسرة عالمه الذي يعيش فيه، وأثرت بشكل واضح على الانتماء والترابط الأسري عند بعض الأبناء والبنات. •فلا بد من محاولة الرجوع للجو العائلي كما كان في السابق، حتى ولو بشكل أقل من السابق، فاللقاء الأسري اليومي على مائدة الطعام، وكذلك مجلس الأسرة في نهاية اليوم واللقاء الأسبوعي له أثر عميق في نفوس النشء الصغير، فالحوار الهادف معهم يُثري الفكر والثقافة ويزيد الثقة بالنفس لديهم، والاستماع إليهم يزيد من الترابط والألفة بين أفراد الأسرة، فالمحافظة على ثوابت الدين الإسلامي، ونقل تجارب الكبار للأجيال الشابة يحميهم من الوقوع في مشاكل كثيرة أثناء مشوار عمرهم بإذن الله. فالترابط الأسري يُسهم في نشأة الجيل الحالي بشكل متوازن ومتحمِّل للمسؤولية بشكل كبير تجاه أنفسهم وأهلهم ودينهم ووطنهم وأمتهم بل للإنسانية جمعاء. • دعاء: نسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظكم، وأن يديم علينا وعليكم الترابط بالطيب والخير والمعروف فيما بيننا، وأن يوفقنا جميعًا للتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين، والسير على نهجهم الطيب المبارك، وأن يجعلنا خير خلف لخير سلف، وأن يبارك في الأبناء والأحفاد والأجيال القادمة.. اللهم آمين. [email protected]