15 سبتمبر 2025
تسجيلكان الشعر سلاحاً ماضياً ذا حدين في أيدي الشعراء يهجون به خصومهم ويهددون فيه أعداءهم، ويمدحون من لهم مصلحة معهم ويثنون على من يعطيهم ويجزل لهم، وقد رفعت أبيات من الشعر قائليها ونقلتهم من حال الى حال، وعلى العكس من ذلك تسببت قصائد البعض الآخر من الشعراء في إهدار دمائهم والفتك بهم، والقائمة تطول فمن طرفة بن العبد أحد شعراء المعلقات الذي ذهب ضحية لشعر قاله وتسبب في مقتله وهو شاب في السادسة والعشرين الى الأعشى الهمذاني وصالح بن عبدالقدوس وحماد بن يحيى بن عجرد ودعبل الخزاعي وبشار بن برد ووضاح اليمن والسليل بن سلكه وعلي بن جبله العكوك الى أبي الطيب المتنبي. فطرفة بن العبد الذي أمر بقتله ملك الحيرة عمرو بن هند بسبب هجاء طرفة للملك ببيتين قال فيهما:فليت لنا مكان الملك عمرو رَغَوثاً حول قبتنا تخورُلعمرك إن قابوس بن هند ليخلط مُلكَه نَوك كثيرحيث إن ابن هند كان قد أمر طرفة وخاله (المتلمس) بملازمة أخيه قابوس بن هند، وكان قابوس فتى عابثاً لا يشغله إلا اللهو والقنص والشراب، فوجد طرفة وخاله عناءً في ملازمته، حتى ضاقا ذرعاً بالأمر، فنقما عليه وعلى أخيه عمرو بن هند لإذلالهما على هذا النحو، وكان طرفة فتى جريئاً لا يبالي بعواقب الأمر، فجرى على لسانه هذا الهجاء في عمرو بن هند وأخيه قابوس، والذي قصد به طرفة لو أنهم بدلوا عمرو بن هند بنعجة تخور حول خبائهم لكان أفضل لهم، كما اتهم أخاه قابوس بالحمق، وتكفل الوشاة بنقل بيتي الشعر الى الملك مما أوغر صدره، ولكنه لم يشأ أن يقتل طرفة فوراً، اتقاء لغضب عشيرته، فدعاه ودعا خاله المتلمس، وكان قد هجا ابن هند أيضاً، وقال لهما: أمضيا إلى عامل البحرين فقد أمرت لكما بجائزة، ودفع إليهما بكتاب مختوم إلى عامله، وقد أمره فيه بقتلهما، لكن خاله تفطن لنية الملك وأخبر طرفة بالأمر، وطلب منه أن يفتحا الكتاب، فأبى طرفة أن يفك خاتم الكتاب، فبينما تمكن المتلمس من الهرب والنجاة بنفسه، توجه طرفه الى البحرين بناء على أمر الملك ومن ثم قُتل طرفة بيد عامل الملك على البحرين.أما الشاعر المخضرم بشّار بن بُرد فقد كان مقتله بسبب هجائه للخليفة العباسي المهدي ووزيره يعقوب بن داود وتحريضه لبني أمية على بني العباس إذ قال:بني أمية هبوا طال نومكم إن الخليفة يعقوب بن داودضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين الزق والعودفعزم المهدي على قتله لهجائه إياه، فقدم الخليفة إلى البصرة متعللاً بالنظر في أمورها، ولكن غرضه الحقيقي كان البطش ببشار، فلما بلغها سمع أذاناً في وقت الضحى، فسأل عن الأمر فإذا بشار يؤذن وهو سكران، فغضب المهدي وأحضره وأمر بضربه بالسوط، فضُرب سبعين سوطاً، ثم ألقي به في سفينة حتى مات.أما مالئ الدنيا وشاغل الناس أبو الطيب المتنبي فقد جنى عليه شعره وكان سبباً في مصرعه فقد كان هجا رجلاً من بني أسد يقال له ضبة وذلك في قصيدته التي مطلعهاما أنصف القوم ضبة وأمه الطرطبةفعرض له وهو مسافر مع ابنه المحسد وغلامه فاتك الأسدي وكان هذا خال ضبة ومعه كثير من الرجال وقد همّ المتنبي بالفرار، فاعترض غلامه قائلاً: لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائلالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلمفقال له المتنبي: قتلتني قتلك الله. وعاد فقاتل حتى قُتل، لتطوى بذلك صفحة شاعر العربية الأكبر الذي وصف شعره بقوله (أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم ).