18 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بين جنوب السودان وشمال مالي

23 يناير 2013

ترى ما هو الرابط الذي يجمع ما بين جنوب السودان التي حصلت على استقلالها منذ ما يزيد على عام، وبين شمال مالي التي تقاتل للحصول على استقلالها؟ منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها حركة تحرير جنوب السودان، وجدت دعما غير محدود من دول أوروبا والولايات المتحدة، شمل الدعم المادي بالسلاح والتدريب والأموال، فضلا عن الدعم السياسي في المحافل الدولية واستصدار القرارات الأممية، للضغط على حكومة السودان للدخول معها في مفاوضات تفضي إلى انفصال الجنوب وتكوين دولة مستقلة. وهو ما تحقق بعد توقيع اتفاق نيفاشا في 2005 الذي أعطى سكان الجنوب، الذين يدين أغلبهم بالديانة المسيحية، حق تقرير المصير في استفتاء كانت نتيجته معروفة مسبقا. لم تكن قصة انفصال جنوب السودان فريدة من نوعها، بل كانت قصة مكررة تسعى الدول الغربية إلى تنفيذها في كل دول العالم الإسلامي من أجل تفتيت أكبر عدد من هذه الدول للسيطرة عليها ونهب ثرواتها وتوجيه سياستها وفقا لمصالحها. فلا يمكن أن ننسى ما جرى في تيمور الشرقية في العشرين من مايو 1999 حينما تم الإعلان رسميا عن استقلالها عن إندونيسيا، أكبر دول العالم الإسلامي من حيث عدد السكان، وانضمامها تاليا إلى الأمم المتحدة بعد صراع طويل بين حركات التمرد في هذا الإقليم وبين الجيش الإندونيسي والحكومة التي لم تستطع تحمل الضغوط الغربية والأمريكية كثيرا، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي كانت تعانيها بعد زلزال العام 1998 الذي أنتج الأزمة المالية الآسيوية الكبرى، وقبلت بفرض مبدأ الاستفتاء الذي كان جزءا من خطة متعددة المراحل أخذت زمنا طويلا حتى اكتملت فصولها ووصلت إلى غايتها التي رسمت بدقة من قبل عواصم القرار الغربية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تتكرر تلك القصة حينما يكون سكان الإقليم الذي يسعى للاستقلال من ذوي الأغلبية المسلمة، كما هو الحال في كشمير أو الشيشان أو بورما أو مالي؟ لماذا تقوم الدول الغربية باستخدام نفس أدواتها التي اعتمدت عليها في تحقيق هدف انفصال الأقاليم ذات الأغلبية المسيحية، لمنع استقلال تلك التي يحمل سكانها الديانة الإسلامية، من قبيل استصدار قرارات أممية لوقف أي مساعدات يمكن أن تقدم لها، وإعلان الحرب عليها بتهمة وجود حركات إرهابية فيها؟ ألم تقم حركات التحرر المسيحية بنفس ما تقوم به حركات التحرر الإسلامية من قتال الجيش النظامي للدولة التي تتبع لها من أجل تحقيق الاستقلال؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تذهب بنا إلى التأكيد على أن الدول الغربية يحكمها عاملان مترابطان في مواجهة حركات التحرر حول العالم: الأول يتعلق بالمصالح، ودائما مصلحتها تأتي من إضعاف الدول الإسلامية وتفتيتها للسيطرة على ثرواتها. والعامل الثاني هو ديانة سكان الإقليم التي تسعى تلك الحركات لاستقلاله، فالغرب يتحرك وفق إستراتيجية تضع الإسلام والمسلمين في موضع الأعداء الذين تجب محاربتهم بكل السبل. في هذا الإطار يمكن فهم ما يحدث في مالي: هي حرب يشنها الغرب ضد سكان الإقليم المسلمين من أجل منعهم من إقامة دولة إسلامية تضاف إلى عدد الدول الإسلامية الأعداء، فضلا عن تهديدها لمصالحه في تلك المنطقة الحيوية التي ينتظرها مستقبل باهر من حيث احتياطيات النفط المتوقع وجودها فيها.