16 سبتمبر 2025
تسجيللا حديث يعلو في وسائل الإعلام بجميع أنواعها من محللين وجماهير ومراسلين عما حدث في تونس وتداعياته وهل هو ثورة أم انتفاضة أم هبة جماهيرية لم تتوقف؟ وهل كان يجب أن يرحل الرئيس المخلوع هكذا دون مقاومة أم انه ما فعله كان إجبارا من قوى أخرى ربما تكون داخلية أو خارجية؟ وهل ستنجرف تونس إلى مستنقع الانشقاق والتمزق كما حدث في العراق والصومال؟ وهل سيمتد تأثير تلك الثورة إلى بلدان وجمهوريات أخرى مجاورة، وهل النموذج التونسي نموذج متفرد في قمعه وبطشه ولا يوجد له مثيل في المنطقة؟ أسئلة كثيرة تتقاذف إلى آذاننا صباح مساء دون إجابة حاسمة شافية على الأقل في الأيام القريبة ولكنني انظر إلى الأمر بشكل مختلف مع اتفاقي مع كل تلك الأسئلة ومشروعيتها وضرورة طرحها، سؤال آخر عن الذي حول نظام بن علي من نظام تصحيحي تسلم حكم تونس في ظرف تاريخي مهم وهو مرض الزعيم التاريخي لتونس الحبيب بورقيبه محررها من الاستعمار وباني نهضتها الحديثة والذين يؤرخون لفترة بن علي الأولى يقولون انه كان ديمقراطيا إلى حد كبير واستمع إلى الجميع بمن فيهم الإسلاميون والتيارات الأخرى المعارضة ثم سرعان ما تحول بفضل أسرته وأسرة زوجته وبفضل قبضته الفولاذية إلى ديكتاتور ولص لمقدرات شعبه بامتياز. وهدا التغيير أفهمه في نطاق السلطة وزهوتها وغوايتها ولكنى افهمه أيضا في إطار إن مثل تلك السلطات الديكتاتورية لا تعطى لشعبها اىة قيمة وقدرة حتى على قول لا، ولا تتخيل أبدا إن تثور وتنتفض كما حدث في تونس. تظن تلك الأنظمة القمعية إن الحديد والنار وكبت الحريات العامة وقصف الأقلام وقطع الوطن كله عن العالم وعزله كفيل بأن يضمن ولاء الجميع ولا يعلم نظام كنظام بن علي وزوجته إن شاب بسيط يبيع الخضار على عربة صغيرة كفيل بأن يسقط طاغية تجبر لثلاثة وعشرين عاما وان هذا الشاب محمد البوعزيزي قد تحول إلى رمز للنضال ضد الظلم وكما يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في حديث شريف فيما معناه: أعظم الجهاد الوقوف في وجه سلطان جائر، وهنا نرى أنها أنظمة هشة قيودها وسلاسلها من خيوط العنكبوت الواهية وليست من حديد ونار كما يظنون هم. إن ثورة الصبار في تونس وليست ثورة الياسمين هي ثورة وقودها وشرارتها صدور الشباب الغاضبين العزل من اى سلاح شباب يحركهم انتماء لوطنهم الذي ظل مغتصبا ومختطفا لثلاثة وعشرين عاما. اننى أرى الآن أن مَن يحمى عروش كل رئيس ليس المسدس ولا المدفع وليس قضبان السجون وإنما فقط انحيازه للجماهير ومحاربته للفساد والقضاء على التمييز بين طبقات الشعب الواحد.. العدل كما قلنا في المقال السابق هو مفتاح البقاء وهو مفتاح الراحة ومقابلة وجه الله تعالى بقلب سليم. إن الذين يحللون الآن ويمحصون اسباب الثورة لا بد أنهم وقفوا وتبين لهم إن شعب تونس لم ينتفض لأنه شعب جائع وإنما انتفض لأنه شعب ثار لكرامته، فالصفعة التي صفعتها شرطية شرسة على وجه محمد البوعزيزى هي تلك الشرارة التي عصفت بنظام ديكتاتورى عتيق. ولقد أكد الإسلام على حرمة العرض والكرامة مع حرمة الدماء والأموال حتى إن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعلن فيما معنه، في حجة الوداع في البلد الحرام والشهر الحرام واليوم الحرام " إن الله حرم عليكم دماءكم واعراضكم وأموالكم.. " إلى آخر الحديث. وكلنا يعرف أن كل ذلك في تونس كان مباحا وملفات الفساد التي بدأت تطفو على السطح من قاع النسيان والتجاهل خير دليل على ذلك، فالشعوب أيها السادة تصبر ولا تنسى تتحمل ولا تتبلد تعانى ولكنها تنتفض ذات يوم مثلما حدث في تونس. وأخيرا لقد أثبتت الأيام أن الحاكم العادل المحب لوطنه وشعبه هو منارة يسجلها التاريخ بحروف من نور في انصع صفحاته، أما الظالم فمهما تجبر وظلم فمصيره التشرد والنفي والتجرد من كل ما سرق؛ لأن رب العالمين يُمهِل ولا يُهمِل.. وسلامتكم. [email protected]