15 سبتمبر 2025

تسجيل

حروب الميليشيات العراقية الساخنة ؟

22 ديسمبر 2014

ثمة فصول دموية جديدة تجري أحداثها الساخنة في العراق المشتبك طائفيا في حروب متنقلة لها أول وليس لها آخر، وهي تلك المتعلقة بانطلاق الصراعات البينية بين القوى الطائفية المتطاحنة في نزاعات الحكم والسلطة والهيمنة وإعادة ترتيب المواقع الطائفية في صراع داخلي شرس بلغ من البدائية مبلغا مرعبا على صعيد تقرير المستقبل العراقي الذي يبدو حالكا في ضوء ما يجري ويدور.. فقد تصاعدت مثلا الصراعات بين جماعتي عصائب أهل الحق وهي المجموعة القتالية الرئيسية فيما يسمى قوات الحشد الشعبي التي تخوض القتال في المناطق العراقية الساخنة تحت إدارة وقيادة وتوجيه إيراني مباشر من ضباط فيلق القدس للحرس الثوري وبين ميليشيا ما يسمى (سرايا السلام) التي يقودها نظريا مقتدى الصدر! وهي ميليشيا مسلحة تمثل استمرارا لجيش المهدي القديم الذي خاض صفحات الحرب الطائفية العراقية الأولى عام 2006! فميليشيا العصائب والتي لها حضورها الحكومي داخل إطار ائتلاف دولة القانون تتهم ميليشيا الصدر بارتكاب جرائم الخطف والقتل استعانة بشارات مرور وسيارات الدولة والتسهيلات المقدمة لها!! بينما تتهم الميليشيا الصدرية غريمتها العصائب بارتكاب جرائم تطهير طائفية في مناطق النزاع!! والخلاف ليس جديدا بين الطرفين بل هو استمرار لقضية الانشقاق الكبير في جيش المهدي وانفضاض الشيخ قيس الخزعلي وتياره عن قيادة مقتدى الصدر وتوجهه نحو إيران لتشكيل ميليشيا خاصة هي (العصائب) التي تحولت لعصابة طائفية مسلحة بخدمة تطلعات ومخططات رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي! وبتوجيه وقيادة إيرانية محضة وتعدت أدوارها الأوضاع العراقية لتشارك في معارك قمع الثورة السورية في ريف دمشق وقدمت هنالك خسائر بشرية كبيرة، وهي تعتبر في التفكير الإستراتيجي الإيراني النواة الأولى لمؤسسة الحرس الثوري العراقي التي يطمحون لتأسيسها في العراق لتفرض واقعا طائفيا وسياسيا معينا على الوضع العراقي تكون فيه السلطة في العراق تحت الهيمنة الإيرانية المباشرة؟ ولكن أين الدولة العراقية؟ وأين موقع حكومة العبادي في صراع وتناحر الملل والنحل والطوائف العراقية؟ وأين المشروع السياسي المدني العراقي الموجه لجميع العراقيين وليس لطائفة منهم فقط؟ الواقع إن الأحداث والتطورات الإقليمية الكبرى خصوصا المعركة الأمريكية (الطويلة) ضد الإرهاب! باتت تفرض نفسها على أوضاع العراق الداخلية بل وتمهد لمتغيرات كبرى ستطال البنية العامة للدولة العراقية وحتى للوجود العراقي ذاته، فمع طول أمد المعارك تتعمق الشروخ والانقسامات الطائفية والمجتمعية وتطرح برامج تقسيم حقيقية كانت موجودة إرهاصاتها منذ عام 1980 على وجه التحديد! وتتأطر وتتشكل مقومات واضحة لنهاية شاملة للعراق الذي عرفه العالم منذ عام 1921؟، ففي ظل التناحرات القائمة برزت مشاريع الأقاليم ومنها إقليم البصرة مثلا الذي يعزفون اليوم على أنغامه التشاز بهدف تحويل البصرة لولاية طائفية متخلفة بحجة الرغبة في استثمار الموارد المحلية من الثروة البترولية بعيدا عن سطوة بغداد! رغم أن الوقائع تقول إن ذلك الإقليم سيكون مدخلا لحالة تشظي طائفي مرعبة ستجعل العراق لا يعيش الاستقرار بل سيعيش حروبا دائمة ومتنقلة، الحرب ضد الإرهاب لن تكسب أبداً عبر الإغراق في الطائفية والتخندقات الضيقة بل عبر مقاربات وطنية وبرامج بناء وطنية تسمو على الطائفية وأمراضها المستوطنة وصيغها المتريفة الغبية، وحروب الجماعات المسلحة هي تحصيل حاصل لانهيار الدولة المركزية ولانتشار السلاح بشكل عشوائي وتفشي مشاريع التقسيم والتشظي وسيادة الأفكار الخرافية والممارسات الصبيانية في ظل أحزاب طائفية فاقدة لظلالها، ومفتقرة لبرامج إنعاش وطنية حقيقية، ولقيادات رثة تتصارع على المغانم والأسلاب..السبب الرئيسي للانهيار العراقي الشامل هو غياب البرنامج الوطني التحديثي الشامل الجامع المانع القافز على أسوار الطائفية والعرقية الضيقة، وحروب عصابات جيوش الطوائف والملل والنحل واندماج الحكومة في تشجيع الميليشيات والتمادي في عسكرة الشارع العراقي هي الطريق الأقصر لدروب جهنم العراقية المفتوحة مصاريعها على أكثر من اتجاه وخيار، حروب الأسلاب والغنائم والهيمنة على التزعم الطائفي لن تنتهي إلا باستعادة الدولة لسلطتها الحقيقية، ولكن يبدو وفقا لقراءة جميع المؤشرات بأن حكومة العراق الحالية مفتقرة للأسف لقدرات قيادية من شأنها توحيد العراقيين تحت مظلتها.. وتلك معضلة ومأساة حقيقية في ظل نزيف مستمر وصعود مقلق نحو الهاوية!