10 سبتمبر 2025
تسجيلكان من اللافت للانتباه أن وسائل الإعلام الغربية، أكثرها عن عَمْد، ومعها وسائط عربية، ابتلعت المكيدة الصهيونية، وكما أشار أبوعبيدة، التي استهدفت إغراق الناس شرقا وغربا في الحديث عن «ماذا بعد حماس» للإيحاء بأنها مسألة محسومة وستقع لا محالة عاجلا أو آجلا. والحق أن السؤال الأولى بالطرح هو «ماذا بعد زوال إسرائيل؟». لماذا؟ منذ سنوات طويلة تزيد على العشرين والحديث لا يتوقف عن حتمية زوال إسرائيل. ولكن في السنوات القليلة الماضية أصبح هذا الحديث كالسيل المنهمر في كل المنتديات التي تعنى بالقضية الفلسطينية. والأهم أنه في الفترة الماضية لم يعد الحديث حديث خبراء أو أكاديميين أو حتى حديث عوام. ولم يعد أيضا حديث شيوخ أو محللين أو متنبئين عرب، مثل الشهيد أحمد ياسين أو الشيخ بسام جرار أو المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري. الحديث عن زوال إسرائيل بات «تسبيحا» لا ينقطع على ألسنة الإسرائيليين أنفسهم، من أقل مسؤوليهم إلى أكبر مسؤوليهم، لدرجة أنه بات يُنعت بالهاجس الذي أطلقه «أنبياء زوال إسرائيل»، وأُلفت فيه كتب منها «10 نبؤات بزوال إسرائيل». وإذا ما وضعنا في الاعتبار موقف جماعة «ناطوري كارتا» اليهودية المعارضة للكيان، معتبرة أن وجوده يخالف تعاليم التوراة، فإنه يسهل فهم حديث أشخاص على مستوى رئاسة الوزراء، منذ بن جوريون وناحوم جولدمان إلى نتنياهو وباراك وبينيت ولبيد عن حتمية زوال كيانهم بسبب ما يعرف ب»لعنة العقد الثامن»، وعن أنهم يحاولون ألا يزول هذا الكيان بنهايته أي في عام 2028. فقد حذر باراك مرارا بأن سياسة نتنياهو تدمر إسرائيل وتبشر بزوالها المرتقب، وقال لبيد إن نتنياهو هو أكبر خطر يهدد إسرائيل بالزوال. ولم يخرج عن الخط نفسه رئيس الكنيست السابق إبراهام بورغ الذي قال إن إسرائيل مجرد غيتو صهيوني يحمل بذور فنائه في ذاته. أما مدير الموساد السابق تامير باردو، فقال إن الكيان على وشك الانهيار. ولرئيس جهاز الشاباك السابق/ يوفال دسكن/ أيضا كلام مشابه. وللمؤرخ اليهودي بيني موريس كلام موثق عن حتمية زوال إسرائيل وفرار اليهود إلى حيثما جاءوا. كما أن للأكاديمي الصهيوني إسرائيل شاحاك تصريحات حديثة عن حتمية هزيمة الصهيونية. وهذا ديفيد غروسمان (كاتب إسرائيلي شهير) يقول إن هناك شعورا قويا لدى سكان الكيان باقتراب وقوع كارثة كبيرة، ويضيف:»..في مكان ما من أعماق قلوبنا، عرفنا أننا لسنا إخوة حقًا. كنا نعلم أن هناك فجوات واسعة، ورغبات متباينة في القلب، حيث يريد المتدينون دولة (دينية)، بينما بالنسبة لي، من الانحراف التفكير في أن غير اليهودي لديه قيمة أقل»، (وهذا ما نبه إليه القرآن الكريم من أن قلوبهم شتى وإن ظهروا يدا واحدة). وسبقه الكاتب الإسرائيلي أيضا آري شبيت بمقال بصحيفة هاآرتس في سبتمبر 2016 قال فيه إن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة وإن زوالها تجاوز مرحلة اللاعودة. وأتبع ذلك بكتاب بعنوان «بيت ثالث» عام 2021، واصل فيه التحذير من زوال الكيان. كل هذا تزامنا مع حديث لا ينقطع، منذ اغتيال رابين عام 1995، بيد متطرف يهودي، عن مخاوف من حرب أهلية تدمر الكيان، تتجلى مؤشراتها في حالة التشرذم المجتمعي والسياسي التي تعتري الكيان، متمثلة في إجراء انتخابات عامة 4 مرات في غضون فترة ولاية انتخابية واحدة تقريبا، لغياب الحد الأدنى من الإجماع. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، حتى قبل «طوفان الأقصى»، عن إقبال كبير من الإسرائيليين لاستخراج جوازات سفر للمغادرة لشعورهم بالقلق ولأنها لم تعد مكانا آمنا للعيش. وهذا أيضا ما توصلت إليه الاستخبارات الأمريكية «سي أي إيه» في تقرير تم تسريبه في عام 2010. أما الأحدث في هذا كله هو مقال نشرته مجلة فورين أفيرز ذات الشأن، أخيرا، لأربعة خبراء سياسيين نادوا فيه بزوال الكيان بصورته الحالية. على كل حال، فلسنا نحن الذين رأينا أن هجوم «السبت الفاصل» السابع من أكتوبر 2023 هو بداية العد التنازلي لزوال الكيان بل هم «أنبياء زوال إسرائيل» وتوراتهم التي ذكرت، رغم تحريفها، أن عمر الكيان لا يتجاوز الثمانين عاما، وحددت أن آخر زعماء الدولة الحالية هو عطاء الله أي نتنياهو. إنهم يعيشون الآن بنفسية المتيقن من زواله وهلاكه. وهم يعدون معنا متى تزول دولتهم ربما هم يعدون «كم من الوقت ستبقى» ونحن نعد «بعد كم من الوقت ستزول». الآن الأولى أن نتساءل ويتساءل الجميع، وماذا بعد زوال إسرائيل. لكن لأن لا أحد لغزة لا يتم طرح هذا التساؤل، ولا أحد يناقش سيناريوهات ما بعد إسرائيل. ربما لأن تلك السيناريوهات تخيف البعض بل الكثيرين في المنطقة، لأن العالم بعدها لن يكون كما كان قبلها، وقد يعني ذلك زوال أنظمة وممالك أخرى سارت في ركابها، من بينها الإمبراطورية الأمريكية بشكلها الحالي.