16 سبتمبر 2025

تسجيل

إستراتيجية قطر لتجفيف منابع الإرهاب

22 نوفمبر 2021

كتب الصحفي الأمريكي الكبير (توماس فريدمان) في إحدى افتتاحيات (نيويورك تايمز):" أغلب الدول والنخب السياسية في العالم تدين الإرهاب وتعلن مقاومته (بما فيها تلك التي تغذيه) أما ظاهرة الإرهاب فتتفاقم بسرعة وتخلق بؤرا جديدة ولم نر لها انحسارا أو تقلصا في أي مكان من العالم، ذلك لأن هذه الدول أو الجماعات تعلن عن النوايا الطيبة - وهي طيبة بلا شك - لكن بلا نتائج ميدانية". فكرت من جهتي في هذه الحكمة وهي استنتاج رجل خبير تخصص في هذه القضايا على مدى أكثر من عقدين وحللها بأمانة وموضوعية يفتقدهما غيره من المفكرين، ولذلك تأملت بكل تجرد في الأنموذج القطري الذي أتاح لي الله سبحانه معايشته منذ ثلث قرن، فوجدته أحد النماذج المختلفة جذريا عما قاله (فريدمان) لسبب بسيط، وهو أن قطر أثبتت نجاعة وصدق كل رؤاها لمقاومة الإرهاب بل واقتلاع جذوره وتجفيف منابع تمويله، ولنبدأ بتعداد أسرار هذا النجاح المتميز، وفي طليعتها التمسك بدبلوماسية الثوابت الأخلاقية المعتمدة على أسس القانون الدولي، وظهر هذا جليا في الملف الفلسطيني عندما وقع هدر للقانون الدولي من قبل المحتل الإسرائيلي وحتى من بعض العرب، فكان موقف قطر هو المتمسك بحل الدولتين، واعتبار الكفاح الفلسطيني المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة هو كفاح مشروع، بل ساعدت قطر المساعي السلمية الأخوية بين الفرقاء الفلسطينيين للتوصل إلى حلول ترضاها كل الأطراف وتحافظ على السلام دون حروب، وسعت قطر موازاة مع ذلك إلى إعمار ما قصفته طائرات وصواريخ القوة المحتلة من بنية تحتية ومستشفيات ومدارس وإعانة الفلسطينيين في قطاع غزة على توفير أساسيات العيش وتجاوز هذه المحن بأقل الخسائر، وهو في الحقيقة التجفيف الأنجع لمنابع العنف في فلسطين وإتاحة فرص ثمينة للاستقرار وفتح أبواب المفاوضات بعيدا عن التشنج والمواقف المتسرعة. وتم هذا في بؤرة من أخطر بؤر التوتر والاحتلال عرفت بكونها منذ عقود تولد الإرهاب الناتج عن استفحال المظالم. ونفس السياسة القطرية الحكيمة تم اعتمادها في الملف الأفغاني بطلب من القوة الأمريكية العظمى التي تورطت في عقدين من حرب بلا أمل السلام دون فائدة، فكانت قطر هي الملجأ لتمتعها بعلاقات متوازنة مع كل الفرقاء، مكنت الدوحة من أن تصبح الجسر القوي بين توجهات الرئيس بايدن وحركة طالبان إلى أن بدأت تنفرج الأزمة المهددة بانفجار إقليمي وتسعى لأفضل الحلول، وهو مما أطفأ فتيل إرهاب داهم وانتزاع المنطقة من مخاطر العنف، وعندما نعت وزير خارجية الولايات المتحدة السيد أنتوني بلينكن دولة قطر بأنها "الشريك الناجع" في مقاومة الإرهاب وإحلال السلام لم يكن مبالغا أو مادحا، لأنه يقصد بالنجاعة تلك الآليات القطرية المدربة لمكافحة الإرهاب. ومن جهة أخرى لن ينسى الأشقاء اللبنانيون ما أنجزته الدوحة سنة 2008 من توفيق بين الفرقاء المصارعين وتم انتخاب الرئيس اللبناني، ليملأ فراغا دستوريا كاد يعصف بسلام مدني هش كما لن ينسى الإخوة السودانيون ما تم في قطر من مفاوضات رعتها الدوحة حول ملف دارفور المتفجر وكللت مساعيها الخيرة بالنجاح بتضافر جهود الجميع، وحرص قطر على إطفاء كل حرائق العنف في مهدها أينما اندلع لهيبها في المنطقة وفي العالم. ثم إن المبادرات السياسية الكبرى في قطر تؤكد هذه التوجهات، حين تدرك أيها القارئ الكريم دعوة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر حفظه الله منذ خمسة أعوام إلى مؤتمر دولي خليجي حول أمن الخليج، وحين دعا سموه في تلك المرحلة إلى مؤتمر عالمي سياسي وفكري لتحديد دقيق ومتفق عليه على مصطلح الإرهاب، لأن دولة قطر أدركت أن هذه العبارة أصبحت مطاطة بل وأخطر لأنها تحولت إلى ستار يخفي مفاهيم مغلوطة ومخططات جهنمية إما للقضاء على خصوم تحت هذا الشعار أو إلى تمرير عدوان جديد على شعب أعزل، فكانت عبارة الإرهاب هي الراية الكاذبة المرفوعة لتصفية منافس أو تحييد مقاوم. ونأتي إلى أهم إستراتيجية طويلة المدى للقضاء على أسباب العنف واستئصال جذوره ألا وهو انتشار الجهل وتدمير المدارس، فقد كانت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رائدة مشروع عملاق وغير مسبوق وهو الرهان على تمدرس عشرة ملايين طفل محرومين من التعليم في كل البلدان المهمشة والمعانية من ويلات الصراعات الأهلية، ونشأ المشروع عالميا بمبادرة صاحبة السمو، ثم نما وتطور إلى حركة دولية تساندها منظمتا اليونسكو واليونيسيف وكل المنظمات التعليمية والاجتماعية، لأن العلم هو الذي يحصن أجيال العالم من التطرف والإرهاب ويصون مستقبل السلام في العالم. هذه قطر وهي التي أشعت وتشع على محيطها وقومها وكوكبها أمنا وعملا صالحا وبذر الخير. [email protected]