16 سبتمبر 2025
تسجيلبدأت صداقتي الطويلة.. وأحيانا الصعبة.. ودائما الوفية.. مع طيب الذكر المرحوم لطفي الخولي عام 1973، وفي شهر مارس أي منذ 48 عاماً، وحين كان لطفي في سجن الرئيس الراحل المرحوم محمد أنور السادات. كيف ذلك؟ لم أكن في ذلك العهد أعرف لطفي الخولي معرفة شخصية، إلا من خلال مقالاته بمجلة الطليعة التي كنا نطلق عليها لقب المجلة التقدمية أو اليسارية.. وحين نظمت الجمهورية التونسية المؤتمر الثامن للأدباء العرب.. كنت أنا عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب التونسيين الذي أنشأناه عام 1970 لأول مرة في المغرب العربي أسوة بالاتحادات العربية والأوروبية. وبالطبع استقبلت بلادي تونس في مارس 1973، الوفود العربية وتضم أدباء كباراً كنا نعرفهم ونقرأ لهم مثل عبد الوهاب البياتي من العراق والصديق الزميل في جامعة قطر الأستاذ الدكتور حسام الخطيب، ضمن الوفد السوري وجاء الوفد المصري بعمالقة الأدب العربي آنذاك عزيز أباظة وصالح جودت وأحمد رامي ومدير مجلس الثقافة عبدالعزيز الدسوقي، وهم من الجيل المصري الذي زخر القرن العشرون بأدبهم وشعرهم ومقالاتهم.. الى درجة أن أحد أعضاء الوفد الكويتي وكان معي في المطار نستقبل الوفد المصري، فإذا به حين شهد كوكبة الأدباء الكبار تنزل من سلم الطائرة التفت إلي وقال مداعباً مازحاً: الله... ما بقي إلا أحمد شوقي باشا! وحين شرع المؤتمر في أشغاله واجتمعت لجنة سميناها بلجنة مساهمة الأدب في عملية التقدم، أخذت الكلمة بحضور وفد مصر وطالبت بإطلاق سراح لطفي الخولي. وثار ضدي الأستاذ عبدالعزيز الدسوقي وتقدم الوفد المصري بمذكرة تندد بمداخلتي ووجه إلي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين المرحوم محمد مزالي لوماً حازماً.! لأنني أمثل اتحاد الكتاب للبلد المضيف للمؤتمر ولا يجوز ــ حسب رأي بعض زملائي ــ أن أشكك في مصداقية الوفد المصري الكبيرلأني عضو في الهيئة المديرة للاتحاد.. وللحقيقة كنت ومازلت من المقدرين لشعراء وأدباء كبار مثل صالح جودت وأحمد رامي رحمهما الله، إلا أن الضمير كان يخزني حين أتذكر في ذلك الحين بأن لطفي الخولي كان في السجن. وبعد سنوات قليلة حين أطلق الرئيس السادات سراحه والتقينا، وجدت لدى لطفي فكرة عن حادثة المؤتمر الثامن للأدباء وعن موقفي (الشجاع كما وصفه هو) وأصبحنا نلتقي ونتناول العشاء مع بعضنا في مناسبات تكررت كثيراً بفضل وجود جامعة الدول العربية لسنوات طويلة في تونس وبفضل صديق مشترك ومثقف تونسي كان موظفا ساميا بجامعة الدول العربية هو الأستاذ أحمد الهرقام أحد رواد القصة القصيرة. بعدها تعددت لقاءاتنا لأنه كان يريد أن يعطي لمسؤولياته بعداً قوميا عربيا، وأن يوظف خبرته واتصالاته وعلاقاته في مجال الفكر القومي ويربط بين الجناح المشرقي والجناح المغاربي للعالم العربي، وأحسب شخصيا، أنه وفق في ذلك توفيقاً كبيراً نظراً لشخصيته القوية ودماثة أخلاقه وسعة اطلاعه وامتداد شبكة علاقاته العربية في مجالي السياسة والثقافة. وإن الذي لن أنساه أبدا للطفي الخولي، على الصعيد الشخصي، هو استمرار وفائه في صداقتنا بعد أن غادرت تونس في ظروف أواخر العهد البورقيبي وأقمت في باريس منذ العام 1986 منفيا ملاحقا من أنتربول، فقد كانت رسائل لطفي الخولي ومكالماته الهاتفية تشد من أزري وتخفف معاناة الاجتثاث عن الوطن، وكان حتى وهو يغادر المستشفى بعد عملية جراحية في القلب يأخذ قلمه ويكتب لي بل ويتدخل لدى أصدقائه من رؤساء تحرير بعض الصحف الخليجية ليوصي بي خيراً. ولعل آخر حديث لي معه تخلله بعض الخلاف المهذب حول مشروع كوبنهاجن وما عسى تجنيه القضية الفلسطينية من الحوار المفتوح وغير المشروط مع من يسميهم لطفي الخولي أحباء السلام في إسرائيل. رحمك الله أخاً كريماً ومفكراً وفياً وعربياً حياً، ظل في صف الكفاح القومي الديمقراطي على مدى نصف قرن، ورحمك الله صديقاً شخصياً لم يفارقني كأغلبية الناس في النعماء والبأساء فوجدته إلى جانبي حين كنت في الأولى وظل يعضدني ويساعدني ويعينني حين كنت في الثانية، وهو من ذلك المعدن الأصيل النادر من أهل الفكر الذين لا يحسبون في الصداقات للخسارة والربح، ولا يمدون لك يد المصافحة والعون وفي جيوبهم آلة حاسبة أو مقياس غضب ورضى أصحاب السلطة عنك، رحمك الله، أيها الصديق وجزاك الله عن ضميرك وكفاحك ألف خير وهو أحكم الحاكمين، يعلم ولا نعلم. [email protected]