11 سبتمبر 2025

تسجيل

للعرب الصغار

22 أكتوبر 2012

" وأبحرت من شرق اوروبا مع الصباح سفينة تلعنها الرياح وجهتها الجنوب تغص بالجرذان والطاعون واليهود " نزار قباني.. قرأت عنها كما لم أقرأ من قبل، وبكيت عليها كما لم أبكِ من قبل. الآن وقد اعتدت أن أكتب ملخصاً بعد قراءتي لكلّ كتاب، فيه أسكب رؤيتي، أراني أتعدّى ذلك لأكتب مقالاً، يعبّر عني، كعربية أوّلاً، وكامرأة ثانياً، وأخيراً ككاتبة. "بينما ينام العالم" رواية للكاتبة سوزان أبو الهوى، قامت بنشرها دار "بلومز بيري - مؤسّسة قطر للنشر، وترجمتها سامية شنان تميمي، تقول عنها حنان عشراوي"تجربة أدبية فريدة من نوعها لا ينبغي تفويتها" وهي فعلاً كذلك..! عندما وضعتني الرواية على فوهة البكاء، فلا سبيل إلا للألم والدمع، ولم أكن لأفعل ذلك متجردةً من القلم، فحدث. لعل ما شدّني فيها، اللغة الجميلة التي استخدمتها الكاتبة، ناهيك عن الصور الفريدة، التي لا تزيد من الوجع إلا وجعاً متزايداً، ومن المهانة الشيء العظيم. رواية لا يعرف قارئها الملل، أو الرتابة، فثمّة رابط يشدّنا من القلب حيث السطور، حيث ما بين السطور، فلا فتور.. النكبة 1941، كانت هي البداية التي افتتحت بها الروائية ألمها وألمنا أيضاً، حيث فلسطين المراعي والخضرة ومواعيد قطف الزيتون، إلى أن يُفسد الجمال القبح، كما هي عادة الحياة، عندما تَهجر الشعب الذي قرّر "شعب بلا أرض وأرض بلا شعب" ثم الخبر الذي لم يحتاج إلى تفسير "إسرائيل لن تسمح بالعودة". ومنذ ذلك الحين، تسترسل الكاتبة في الحكايات الصغيرة الأشد ألماً، لالتصاقها القوي بالإنسانية، حكايات جيل انتُهكت أرضه ورجاله ونساؤه وأطفاله على السواء، كالموقف الذي لفّه الأسى عندما حُشرت آمال في حفرة البيت مع صديقتها وطفلة في مهدها، تُقصف الأرض التي فوقهم وأهلها معهم. كالموقف الذي يكتشف "يوسف الفلسطيني" أن الضابط الإسرائيلي اليهودي "دافيد إبرام"، ليس إلا شقيقه "إسماعيل"، قبل أعوامٍ عندما خطفه الجندي اليهودي من أمه الفلسطينية، ليقدّمه كعربون حب وعطف لرحمها المهشّم من قبل النازية. أو جمال الذي اغتيل ليكون "عبرة"، أو سطر شباب فلسطين، الذي أُجبروا على المشي عُراة، ثم تقبيل أحذية الجنود إن هم أرادوا الحرية، أمام أهلهم ثم بعد ذلك، تسري الخيانة اليهودية المعهودة بطلقة. "واشتعلت في والدي كرامة التراب فصاح فيهم، اذهبوا إلى الجحيم لن تسلبوا أرضي يا سلالة الكلاب.. ومات والدي الرحيم.. بطلقة سدّدها كلب من الكلاب عليه.. ومات والدي العظيم في الموطن العظيم.. وكفه مشدودة شداً إلى التراب.." هو أكثر من كتاب، وأعظم من تجربة، كتبتُ ذلك وأنا مؤمنة ألا معرفة يمكننا أن نستقيها أشدّ توثيقاً وأقرب للصدق مثل الكتب، لذلك كنت أنصح فيه من يقرأ ومَن لا يقرأ، فتلك السطور كانت: "للعرب الصغار، لأعينٍ يركض في أحداقها النهار".