12 سبتمبر 2025

تسجيل

بشار قاتل البراءة

22 أكتوبر 2012

حين طلبت من إحدى الزميلات بقسم الشؤون العربية بالأهرام يوم الأربعاء الماضي صورة عن أحداث سوريا ليضمها الموضوع الذي أعدته عن وقائع اعتداءات قوات بشار على شعبه في هذا اليوم. سلمتني بعد دقائق مجموعة من الصور التي يتصدرها طفل رضيع قتلته هذه القوات وهي تكاد ترتعش من هول ما توحي به الصورة التي لمحتها زميلة صحفية أخرى. فاجتاح عينيها فيض من دموع وتلاشت الابتسامة التي كانت تسكن قسمات وجهي الزميلتين وانضمت إليهما زميلة ثالثة ولكنها حجبت دموعها ونأت بعينيها عن التأمل العميق في الصورة. وقررت على الفور أن تصاحب الموضوع في صدر الصفحة المخصصة للشؤون العربية لتؤكد مدى الحس الإنساني الذي يسكن قلب بشار وحنوه على شعبه الذي يصر على أنه يحارب العصابات المسلحة لحمايته. وتساءلت: هل هذا الطفل الرضيع الذي لم يتعد عمره أشهر ينتمي لهذه العصابات التي يزعم بشار وأركان حكمه أنه يحاربهم ويصب عليهم لعناته لكي يبقى في سدنة الحكم للأبد؟! في مساء اليوم ذاته شاهدت على قناة الجزيرة تقريرا من داخل حلب الصامدة يتضمن وقائع قتل أعداد كبيرة من الأطفال. قلت: الرجل يريد أن يثأر من أطفال بلاده فهم الذين فجروا الثورة في درعا بعد أن تعامل رجال نظامه معهم في مارس 2011 بفظاظة وقسوة مما دفع الرجال إلى إطلاق المظاهرات السلمية دفاعا عن أطفالهم. فقد خط تلاميذ درعا على جدار مدرستهم عبارة تأثروا بها وهم يتابعون ثورة الشعبين المصري والتونسي، كتبوا بكل براءة وشجاعة ودون أن يدركوا النتائج التي ستفضي إليها الكتابات " الشعب يريد إسقاط النظام ". وهو ما شكل الانطلاقة الأولى للنضال نحو الحرية التي طال انتظارها. وهزت عرش النظام الذي كان يعتقد أنه من المستحيل أن يهتز. إذن هي عملية قتل ممنهجة ضد أطفال الشام، ضد البراءة ورجال الزمن الآتي وهو ما يجعلني أتفق مع ما أعلنه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن نظام بشار يمارس حرب إبادة ضد شعبه، لا تقتصر على الرجال والشباب والنساء لكنها تمتد بضراوة إلى الأطفال وهو ما يستوجب تقديمه مع أركان حكمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. فوفقا لمنظمة العفو الدولية فقد بلغ عدد الأطفال الذي قتلهم النظام حتى الآن حوالي 2529 طفلا وهو عدد مرشح للزيادة في ظل إصرار بشار على استمرار القصف والقتل في مختلف أنحاء سوريا. ودفع هذا الرقم المتزايد من الأطفال الذين قتلوا برصاص وعدوانية قوات بشار البعض إلى صياغة مقولة أظن أنها صادقة ومعبرة عن الواقع وهي أن "الثورة السورية هي ثورة الأطفال. فهم كسروا حاجز الخوف ولنتذكر الطفل حمزة الخطيب الذي اعتقل في الأشهر الأولى للثورة وهو يحاول إيصال الحليب والخبز لأهل درعا. ولم يرحم النظام طفولته رغم أن حكومته وقعت الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل. والتي تنص على حماية حق الطفل في الحياة. إلا أنه خرق كل ما يربطه بهذه الاتفاقيات والعهود الإنسانية. وجعل حمزة شهيدا. وحرمه من حقه المشروع في الحياة. وبات الشهيد حمزة في قلوب وعقول كل السوريين نقطة فارقة في الثورة. فلقبوه بسيد شهداء الثورة وانتفضوا من أجله ومن أجل كل الأطفال المقهورين. وفي ظل ما ارتكبه نظام بشار من مجازر وحشية واكتشاف مقابر جماعية تبين مقتل المئات من الأطفال وذبحهم بالسكاكين وقطع الأوكسجين عن الرضع وهو ما يبدو أنه انتقام من ذويهم الذين يشاركون في فعل الثورة ولعل بعضنا لاحظ بكاء الأطفال الذين لم يشاهدوا آباءهم بعد خروجهم من البيت. وسير بعضهم بخطوات ثابتة في جنازات آبائهم الذين استشهدوا بأيدي شبيحة الأسد. ورفعهم لشعارات بالروح بالدم نفديك يا شهيد. والدموع تنهمر من عيونهم لأنهم رغم كل شيء أطفال. وصرخات الطفل الجريح الذي يقول: يا رب احمني، يا رب لا توجعني، وصور مذابح الأطفال وهم بين أحضان أمهاتهم. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد حيث تشير التقارير إلى المعاملة البالغة السوء التي يتعرض لها الأطفال في مراكز الاعتقال الحكومية، فهم يضربون بالرصاص في الركبة ويوضعون مع الكبار في أحوال غير إنسانية ويحرمون من الطعام والعلاج. ورغم كل ذلك يقول أحد الأطفال: إننا لا نخاف لا من بشار الأسد ولا من نظامه ولا من شبيحته. لا نخاف إلا من الله لن نخرج من ديارنا. وهناك مشهد لطفل آخر كان يقول للشبيحة الذين صوبوا بنادقهم إلى رأسه: إننا باقون. نعم سيبقى أطفال الشام شامخين. رغم القتل الذي يطالهم ويطال ذويهم وسيكونون وقودا لجذوة الثورة المستعرة ضد بشار وزمرته الحاكمة. ولكنهم في حاجة إلى وقفة رجال العرب معهم ومع ذويهم يشدون من عضد الثورة تتجلى في ضرورة توفير الدعم اللوجستي للثوار الذين باتوا يحققون انتصارات مهمة على قوات الأسد وليس من الضروري الإعلان عنه ولكن عبر أشكال معروفة من السرية. فثمة شكوى من غياب هذا الدعم لأنه لو توفر على النحو المطلوب وبالكميات والنوعيات التي يطلبها الثوار خاصة الصواريخ المضادة للطائرات فضلا عن الدروع ومعدات عسكرية أخرى سيكون بمقدورهم هزيمة النظام في وقت أسرع مما يتصوره البعض بدليل أنهم حققوا تحولات إستراتيجية في الصراع مع النظام بعد سلسلة من العمليات النوعية اعتمادا على تسليح محدود حصلوا عليه من الجيش الذي لم يعد عربيا ووطنيا لكنه أصبح جيش النظام الذي عمل على تفريغه من عقيدته العسكرية التي كانت تنهض على قتال العدو الصهيوني فغدا يقاتل شعبه وتلك مأساة قادة هذا الجيش الذين انحازوا إلى رأس النظام ولم ينحازوا إلى الشعب الذي رأى ضرورة إحداث التغيير بما يحقق له الحرية والكرامة والعدالة وكلها مفردات كانت ممنوعة من الاستخدام والتطبيق خلال العقود الأربعة المنصرمة. وفي المقابل فإن المجتمع الدولي الذي مازال عاجزا حتى هذه اللحظة عن حماية الشعب السوري وفي المقدمة أطفاله مطالب بالإسراع باتخاذ قرارات حاسمة وبالذات على صعيد تطبيق منطقة حظر جوي على سوريا للحيلولة دون استمرار المقاتلات الحربية والمروحيات التابعة للنظام في صب نيرانها على منازل الأبرياء ومواقع الثوار الذين يقاتلون من أجل الحرية وهذا المطلب واحد من عناصر المبادرة التي تقدمت بها القيادة القطرية لكنها في حاجة إلى تفعيل من قبل المجتمع الدولي وفقا لما طالب به الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية. وفي تقديري لو تم تحقيق هذين المطلبين على الصعيد الميداني لتمكن الثوار من إنجاز فعل إسقاط نظام بشار الذي أزف أوان رحيله وفقا لليقين الذي بات يسيطر على معظم المراقبين. إن الحلول السياسية المطروحة من هذه الجهة أو تلك لن تفضي إلى المزيد من توفير المزيد من الوقت ليظل النظام يناور ويلتف على محاورها مثلما حدث مع مبادرات الجامعة العربية وخطة كوفي عنان وأظن أن خطط الأخضر الإبراهيمي لن تكون بمنأى عن هذه المناورات من قبل نظام اعتاد منهجية القتل واستمرأ الحلول الأمنية والعسكرية على مدى العشرين شهرا الماضية. إن أي وقت يتركه العرب والعالم لبشار يعني المزيد من القتل لأطفال سوريا فضلا عن رجالها وشبابها ونسائها وتدمير بنية الوطن. فهو يبدو مصرا على أن يتركه خاويا ومخربا ومدمرا وكأنه يرى أنه لا يصح أن يبقى الشام من دون دمويته. فلنسارع إلى وأد فتنة بشار السطر الأخير: من تسكن قصر القلب وتقيم بتخوم الروح من تمنحني صبابة وجد بأفق مفتوح من تقرأ لي من سفر العشق من قنينة عطر\ شعر يفوح من تسكب زيت سكينتها لتضمد أعماق جروح من...؟