16 سبتمبر 2025
تسجيلثمة إجماع على أن الوقت حان لإعادة التفكير في أطر وقواعد النظام الإقليمي العربي والذي تجسده الجامعة العربية التي ما زالت محكومة بقواعد ومحددات تضمنها ميثاقها الذي أقرته سبع من الدول العربية في العام 1944 وهو ما يجعل أمينها العام الدكتور نبيل العربي يتساءل غير مرة في حواراته معي عندما أسأله عن إشكالية التطوير والإصلاح لمؤسسات الجامعة: هل يعقل أن تعمل سيارة في العام 1914 بمحرك صنع في العام 1944؟ بالطبع السؤال منطقي، ولكن الإجابة عنه تطلبت جهودا ولجانا وتقارير عرضت على قمتين عربيتين، هما قمة بغداد في العام 2012 وقمة الدوحة في العام2103، واللتان طالب فيهما القادة بالمزيد من الدراسة والبحث المعمق في أسس التطوير والإصلاح المطلوب للجامعة ومؤسساتها وآلياتها والأهداف المبتغاة والتي تصب في خانة إحداث نقلة نوعية في مسار النظام الإقليمي العربي لكي يكون أكثر قدرة وحيوية وفعالية في التعاطي الناجز مع التحولات الخطيرة التي شهدتها -وما زالت – المنطقة، خاصة الأعوام الأربعة الأخيرة التي اجتاحتها فيه جملة من التغييرات الهيكلية في عدد من بلدان ما يسمى بالربيع العربي، كانت لها تداعياتها الواضحة، ليس على البعد الداخلي لهذه البلدان ولكن على محيطها القومي. وخلال الدورة الأخيرة العادية لمجلس الجامعة العربية – رقم 142 – التي عقدت بالقاهرة على مستوى وزراء الخارجية كان ملف تطوير وإصلاح الجامعة العربية مطروحا بقوة في صدارة جدول الأعمال. بيد أن ملف مواجهة الإرهاب وتداعيات سيطرة داعش وأخواتها من منظمات متطرفة حسب التعبير الذي يفضل الدكتور نبيل العربي استخدامه هيمن على أجواء الدورة ويمكن القول في هذا السياق: إن ملف التطوير والإصلاح سيظل مطروحا على جدول أعمال اجتماعات الجامعة العربية خلال المرحلة المتبقية حتى انعقاد القمة العربية في مصر خلال شهر مارس المقبل والتي من المنتظر أن تقر أسس التطوير والإصلاح التي وضعتها فرق العمل الأربعة التي عملت على مدى السنتين الماضيتين في إطار اللجنة المعنية التي شكلها الأمين العام للجامعة لبحث هذا الملف والتي اشتملت على الجوانب القانونية والفنية والسياسية وغيرها من الجوانب.وعندما سألت الدكتور نبيل العربي عن رؤيته لهذا الملف أوضح أن تطوير الجامعة العربية لا يمكن أن يتم بقفزة واحدة تستهدف معالجة كل النقائص وإنشاء منظومة مثالية صالحة لكل زمان وفي كل مكان ولكنه عملية متواصلة تتسم بالواقعية والطموح وتقوم على رؤية جديدة للجامعة العربية ودورها وأهدافها وميثاقها وأجهزتها الرئيسية مع الأخذ في الاعتبار بالتطورات التي لحقت بالنظامين الإقليمي والدولي جنبا إلى جنب والمؤكد – كما يضيف – أنه لن يكتب النجاح لأي محاولة لإصلاح الجامعة العربية ما لم يتم تعزيز الإرادة السياسية اللازمة للقيام بعمل عربي مشترك حقيقي وما لم يتم النهوض بالتعاون بين الدول العربية على نحو يضم حماية مصالحها وتدعيم قدراتها على التعامل مع التحديات التي تواجهها، وذلك يستوجب أن يكون هناك ترتيب للأولويات على نحو يساعد الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتها، بالإضافة إلى إصلاح هياكل الجامعة العربية نفسها كي تتمكن من الاضطلاع بمهامها على الوجه الأمثل على نحو يدفعها إلى أن تكتسب المزيد من ثقة الحكومات والمجتمعات العربية وتسعى نحو مزيد من التواصل مع تطلعات الشعوب ومنظمات المجتمع المدني وبالذات في مجال حقوق الإنسان وثمة خطوة نوعية اتخذت في هذا السياق تتجلى في موافقة القادة العرب على إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان بناء على مقترح من عاهل البحرين، الملك حمد بن عيسى، بالإضافة إلى أن هناك مقترحات عدة لإجراء تعديلات مهمة على ميثاق الجامعة وعلى مجلس السلم والأمن العربي وإنشاء آلية للإسراع بتقديم المساعدات الإنسانية. ويقول الدكتور العربي: إن ثمة آليات مغايرة باتت مطلوبة لإنجاح العمل العربي المشترك وهو ما سيتم التركيز عليه في الفترة المقبلة، لافتا في هذا الصدد إلى أن منظمة إقليمية كالاتحاد الإفريقي حققت قفزات نوعية أكثر بكثير من الجامعة العربية رغم أن إمكانات الدول العربية تتجاوز بكثير إمكانات الدول الإفريقية لسبب بالغ البداهة يتمثل في أن هذه الدول تلتزم بقراراتها وتنفذها، بينما الدول العربية كثيرا ما تسوف في تطبيق القرارات التي تتخذ على المستوى القومي.. "إنني أقول ذلك وأنا أشعر بأسف شديد ".ووفقا للسفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة فإن ثمة إعادة نظر شاملة وعميقة لتطوير أداء الجامعة على نحو يقود إلى تغيير كل الأساليب والمناهج والأطر والمفاهيم التي حكمت الفترة السابقة من تاريخها وتعديل ميثاقها الذي تمت صياغته في العام 1944 وفق مرئيات وأهداف وآليات عمل تتوافق مع المتغيرات والمستجدات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، مشددا على أن التطوير المرتقب لن يقتصر على الجوانب الإدارية والمالية وإنما سيكون أكثر شمولا وعمقا ويغطي الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور إستراتيجي شامل ورؤية واضحة بعيدا عن الجزئيات، بما ينقل الجامعة العربية إلى مرحلة جديدة من التفاعل مع المخاطر والتحديات التي تواجه النظام الإقليمي العربي. وحسب منظور صلاح الدين مزاور وزير الخارجية المغربي فإنه بات من الضروري مراجعة الأولويات، لا بالنسبة للجامعة العربية، ولا بالنسبة لكل بلد عربي على حدة، ولكن على مستوى النظام الإقليمي العربي ولعل في مقدمة هذه الأولويات العمل من أجل استرجاع القدرة على التحكم في الوضع والتأثير على الأحداث في أفق توجيهها: *إعادة توجيه سياسة الجوار العربي نحو خدمة المصير المشترك للشعوب التي أضحت مهددة بالتفكك. * تسخير القدرات المتاحة، خاصة منها الإعلام الجماهيري للعب دوره التاريخي في خدمة شعوب المنطقة ومواجهة ثقافة الفتنة والتطرف وترويج الجهل. *ضرورة تمكين المرحلة الجديدة في العلاقات العربية العربية من أدوات مناسبة في مجالات الأمن والسياسة الخارجية وتبادل المعلومات.* القيام بعمل عميق ودءوب على الواجهة الفكرية والعلمية والثقافية، لا فقط من أجل إرشاد الناس لصحيح دينهم وتعرية التطرف الذي يتخفى وراء قراءات غائية، ولكن أيضا من أجل تغيير الصورة النمطية التي ألصقت بالإسلام جراء فظاعة الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب باسم الدفاع عنه، والمنافية كليا للقيم الإنسانية والأخلاقية الكونية، وكذلك من أجل ترسيخ قيم التسامح والوسطية والاعتدال وتعزيز قنـوات الحوار والتسامح بين الحضارات والثقافات والأديان على أساس مـن التكافؤ والاحتـرام المتبادل والاعتراف بمشروعية الاختلاف.