12 سبتمبر 2025

تسجيل

تداعيات "العدوى" السورية

22 سبتمبر 2012

إذا أراد المرء أن يتحدث عن حل أزمة أو معضلة فعليه أن يستعين بما يقوله المفوضون بحل هذه الأزمة ، وللتوضيح أكثر نجد أن الأشقاء السوريين يعيشون في مأساة إنسانية كادت تنهي عامها الثاني ، ولا يزال النظام الغاشم هناك يدك البيوت كأنه يحارب عدوا وليس بني وطنه، ومع ذلك لا يستجيب لأي مبادرة للخروج من تلك المعضلة. وإذا كانت الأمم المتحدة قد عينت من قبل كوفي أنان أمينها العام السابق وفشل في مهمته تماما رغم مساعيه الحميدة لإنقاذ الشعب السوري من براثن نظامه، جاء خلفه الأخضر الإبراهيمي الذي عولنا عليه كثيرا نظرا لجنسيته ودينه وعروبته وسابق خبرته في حل المشكلات الدولية كمبعوث دولي مرموق، ليحبطنا هو الآخر على الأقل قولا قبل الفعل. فكيف نفكر في حل لتلك الأزمة المستعصية بينما نجد أن  مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الجديد إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي يعرب عن اعتقاده بأن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا "شبه مستحيلة"، وأن الجهود التي تبذل حاليا غير كافية لإنهاء القتال. ثم يزيد الإبراهيمي من وقع الصدمة ليبلغنا نحن العرب مستقبلي كلماته الصعبة بأنه  يقف أمام جدار من الطوب باحثا عن شقوق ربما تسفر عن وجود حل. فالإبراهيمي اكتشف أن الوضع أصعب مما كان يعتقد، وأن النظام  السوري أصعب مما تخيل حيث يستخدم كافة أسلحته العسكرية والأمنية والمخابراتية ، وبالتالي يكتشف أن الحوار المأمول شبه مستحيل هو الآخر خاصة إذا كان وليد المعلم وزير خارجية سوريا كشف عن مكنون الأزمة من وجهة نظر النظام بأن الحوار غير ممكن قبل تطهير البلاد من آخر إرهابي، أي يريد القضاء على كل الشعب السوري. فهكذا يرى النظام السوري معارضيه ، فكلهم إرهابيون وبالتالي لن يكون هناك حوار ، وهذا يشكل في حد ذاته شهادة الوفاة لأي مبادرة دولية او إقليمية. وربما يكون كلام المعلم الذي قاله غداة تعيين الأخضر الإبراهيمي في مهمته شبه المستحيلة على حد تعبيره، جعل المبعوث الدولي يتردد ألف مرة قبل بدء مهمته، فالنظام  السوري يستخدم كما أسلفنا  كل الوسائل ولا يتورع عن تدمير البيوت، ولذلك فإن الحديث عن حلول دبلوماسية هو مجرد أوهام. وإذا كان ما سبق هو وصف الإبراهيمي لمهمته، فما بالنا إذا تعرفنا أكثر على مواقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نفسه.. فقد  أقر بعدم قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الوضع في سوريا، وأن  الأوضاع في ذلك البلد قد  وصلت إلى درجة لا تحتمل.  والسؤال :" ما الذي جعل بان كي مون يصل إلى هذه الدرجة من مشاعر الاحباط ؟".. والإجابة بسيطة للغاية ، وهى  ضعف الضغوط على النظام السوري واستمرار القصف والاشتباكات في غالبية المدن السورية وتدهور الوضع الإنساني بشكل خطير في كل المدن والقرى . فمجلس الأمن الدولي لم يقم حتى الآن بفرض إجراءات بالقوة على بشار الأسد لوقف القتل والعنف. وكما يعتقد برهان غليون أحد قيادات المعارضة السورية ، فإن مجلس الأمن تهاون في حل الأزمة لأنه على سبيل المثال لم  يفرض مناطق حظر جوي، لأن عندها سيصبح لمهمة الإبراهيمي حظ في النجاح. إما إذا استمر الحديث على سلمية مهمة الأمم المتحدة، أي تقوم على إيجاد انتقال سلمي للسلطة وإقناع الأسد بالتنحي أو الاستقالة ونقل البلاد إلى الحكم الديمقراطي، فهذا امر مستحيل أي شبيه تماما بما يتحدث عنه الأخضر الإبراهيمي عندما وصف مهمته بأنها "شبه مستحيلة". فالأسد مصر على البقاء على الكرسي مضحيا  بدماء كل الشعب السوري، في حين أن الشعب مصر على زوال الأسد حتى آخر مسئول أو شخص في نظامه وزمرته مهما كلفه ذلك من دماء وتضحيات، وبالتالي لا مكان للحل الرمادي، فإما ينجح رهان الأسد وإما خيار الشعب . وهذا يؤكد استحالة الحل الدبلوماسي للأزمة السورية، فالشعب السوري قد  حسم خياره الذي لا رجعة عنه. الجديد في موضوع الشأن السوري هو تحذير روسيا من " صوملة سوريا"، وأعتقد أن موسكو تقصد انهيار الدولة المركزية الصومالية لتكون أفشل دولة في العالم بعد انهيار نظام الرئيس سياد بري . بيد أن الجديد أيضا في هذه الأزمة هو استخدام فرنسا تعبيرا آخر لوصف الأزمة السورية عندما حذرت  دول الجوار من "امتداد العدوى السورية" وضرورة  تفادي استجلاب الأزمة السورية وتشعباتها ونتائجها إلى الأراضي اللبنانية. وربما يقودنا هذا الوصف الفرنسي لتداعيات التطورات  في سوريا إلى فهم أوضح لطبيعة موقف باريس من تلك الأزمة، خاصة وأن أبعادها ستؤثر حتما على لبنان وهو أشد ما تخشاه فرنسا نظرا لهشاشة الوضع الداخلي في لبنان. فباريس حتى الآن لم تتدخل بقوة ولكنها تكتفي بالمشاهدة تارة والتعليق تارة أخرى، فنراها مثلا تعلن رفضها التام للمبادرة المصرية  لإطلاق مجموعة عمل إقليمية رباعية تضم مصر و السعودية وتركيا وإيران. وتبرر فرنسا موقفها الرافض هذا، بأنه سيمنح إيران أدوارا لا تستحقها. فإيران – كما أعلنت باريس – لا تضع حدا نهائيا لانتهاكات حقوق الإنسان على أراضيه  ولا تعمل على  توفير الاستقرار في المنطقة، وأخيرا، فهي جزء من المشكلة (لأنها تقدم الدعم غير المحدود للنظام السوري)، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءا من الحل. وبنفس القدر من رفضها للمبادرة المصرية بسبب شراكة إيران المحتملة فيها ، ترفض باريس المساعي الروسية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يكرس ورقة جنيف للحل في سوريا. فإن مثل هذه المبادرات  توفر للنظام السوري مزيدا من الوقت للاستمرار في قمعه، كما أنها ترفض نصا "من غير أسنان " مما يعني الحاجة إلى أن ينص على عقوبات في حال لم يلتزم نظام الأسد بمضمونه. وفي أي حال، يبدو المشروع الروسي صعب المنال لأن خلافا جوهريا اندلع بين موسكو وبين العواصم الغربية على تفسير النص، إذ يؤكد الغربيون أنه يعني تنحي الأسد بينما يرى الروس أنه لا يدعو لرحيل النظام السوري. وفي النهاية.. لك الله يا شعب سوريا العظيم