14 سبتمبر 2025
تسجيلرحلتِ وتركتني! لماذا يا هند؟! إن كان يحق لي أن أسألك وقد بتِ في عالم البرزخ حيث يتحدث الأموات لغة خاصة بهم لا يفهمها الأحياء مثلنا! رحلتِ ولم يبق لي سوى ذكريات تقر وتعترف بأننا كنا رفيقتي فكر وأدب وقلم بات اليوم مكسوراً ينزف حبراً لا يجد اليوم من يحيله كلمات ليست ككلمات هند!..أوّاه عليكِ يا هند! جاءني الخبر من وسط لندن التي تأملت أن تشرق فيها شمسكِ يا هند وأن يبزغ قمركِ وتنتشلين هذه المدينة الضبابية من عتمة طالت واستطالت ولكنه القدر الذي نقف أمامه بكل إيمان وإجلال متمتمين "إنا لله وإنا إليه راجعون" اللهم ارحم هنداً واغفر لها واعفُ عنها وأسكنها رياض جناتك وألهم قلوبنا المحبة تيهاً لهذه الإنسانة التي فارقتنا لعالم سنلحقها إليه عاجلاً أم آجلاً! رحلتِ يا هند.. فذكرتُ أياماً كنتِ قد بدأتِ بالكتابة وقتها قبلي..حينها قلتِ لي: أنتِ فارسة القلم المقبلة امتشقي صهوة الكلمة وروضي الحروف وانطلقي! وانطلقت ُيا هند واخترت لجيادي أن تركب ظهور رمال متحركة بحوافر قوية وغزيمة لا تفتر ومضي يجد اليوم نفسه واقفاً بلا حراك فقد وصله خبر أليم يقول بأن ابنة يوسف السويدي المدعوة هند الرائعة قد لفظت أنفاسها الأخيرة في وسط لندن وعادت إلى بلادها جثة بلا حراك تنتظر الأيادي الوفية لتلقم الأرض بجسدها إلى حين البعث المعلوم!..ولذا بربكِ يا هند لا تلوميه إن هوى من القمة وسكن القاع!..لا تعاتبيه على ضعفه الذي كسره موتكِ.. لا تقولي له انهض وأنتِ تعجزين عن استنهاضه!..بربكِ يا هند دعي هذا القلم يعلن ضعفه أمام حضرة جنازتكِ ويقول للدنيا بأن ابتسام آل سعد قد كسرها موتكِ وإن قلمها ينتحب اليوم تعزية لفراقكِ وقد اتشح بياضاً فالسواد يعني بأني أبكي الموت وفي الحقيقة فإنني أبكي هنداً البيضاء النقية التي كانت تراني فتقول ضاحكة (خفي على محمود عباس فلا تلحقيه بسلفه ياسر عرفات)!!.. ويحي يا هند..إن لم أبككِ!..إن لم أحزن لفراقكِ!..إن لم يشاركني قلمي النحيب المدوي في خلجات صدري!..ويحي يا هند وهل مثلكِ لا يبكون عليها؟!. هند.. لا تحتاجين مني لحديث يطول فتنتحر الحروف أمام جثمان توارى تحت الثرى واستنطقه بإذن الله ملكان فيشهد بأن هنداً مسلمة فخر الدين بها وافتخرت به ولكني سأقولها لكِ لعلها تبلغكِ وأنتِ راقدة بهدوء تنتظرين هدايا محبيكِ لكِ.. من يعرفكِ يجب أن يبكي حتى وإن كان يملك قلب فرعون!..من يعرفكِ يجب أن تفيض عيناه وينفطر قلبه وتنكسر نفسه ويقولها بعلو الصوت أواه يا هند رحلتِ وخف وميض قلمكِ ولم يبق إلا أشباه الأقلام فحتى قلمي لم يعد يجد من يقارعه اليوم..فحينما يذكرون هنداً أجد نفسي مشرئبة العنق ومبتسمة الثغر وضاحكة المبسم..فقد كانت من أصدق الأقلام وأكثرها صراحة حينما تكون الصراحة موجهة وليس استعراضا كما تحب بعض الأقلام أن تبدو في كتاباتها! رحمكِ الله يا هند.. ستبقين فيني..بتلك الابتسامة الهادئة والنظرة المندهشة على الدوام والسكون المضطجع على محياكِ والعاصفة التي يحملها مدادكِ..لن أنساكِ فأنا وإن كنت في أشد الحزن عليكِ فإن الخجل يكتنفني في تأبين ذكرى مصغرة لكِ وقد كنتِ الأحق بأن أذكركِ وأنت تعيشين حية في داخلي! هند.. مثلكِ يسامحني!.. أرجوكِ لا تثقلي كاهلي.. فأنا غداً سأجاوركِ وقد ألقى مثلي يوماً ما من يطلب مني سماحاً وعفواً وأعجز عن التصريح به فيقول نفس كلامي ويعد نفسه محللاً لا يحمل إزري! هند.. أحبكِ.. وكيف سأحتمل أن يعزيني أحد في فقدكِ؟!!..ليرحمكِ الله حبيبتي! فاصلة أخيرة: شكراً لكل من سأل عني وقال أين أنتِ أيتها المزعجة؟! إنها فترة ذهبت واليوم تعيدني هند إليكم!