15 سبتمبر 2025

تسجيل

8 سنوات على رحيل «محمود درويش» 2

22 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الموت أحد ثوابت الحياة بالنسبة لـ«درويش»، وتلك واحدة من أساطير كثيرة كانت تحتاج إليه لتعيش. لم يكن يتعالى عليه، كان يخافه (أحيانا). ويسايره (كثيرا). ويهتم به، من دون أن يسمح لهذا الاهتمام بأن يبتلع حياته. كتب «درويش» كثيرا من المراثي: كان ما سوف يكون، قصيدة الأرض، أحمد الزعتر، سنة أخرى فقط.. وغيرها، لكنها كلها كانت أغاني للحياة: فلنا شغل سوى التفتيش عن قبر وعن مرثيةٍ لا تشبه الأولى الحياة التي لا يعرفها أحد بقدر ما يعرفها شاعر وُلِدَ وعاش مغمورا بشمسها وهي تأتيه دائما من بعيد: نحب الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا شاعر سلبوه «المواطن» فأصبح «الوطن»: وطني حقيبةْ وحقيبتي وطن الغجر ولكن لا رصيف ولا جدار ساترا إحساسه بالفجيعة في وشاح أغنيته الصداحة: لا ليس لي منفى لأقول لي وطنُ الله يا زمنُ! أسطورة أخرى أن «تتسع الممالك فيه» وعندما كانت «غولدا مائير» تقول «لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيون» سمى «محمود درويش» ديوانه «عاشق من فلسطين»: إذ هناك شعب عريق، هناك فلسطينيون، منهم عشاق، وهو أحدهم، هو الواحد الذي أثبت وجود الكل، ليذوب لحم «غولدا» وهي واقفة على قدميها، ويقول «شارون» إنه يحسد الفلسطينيين على وجود «درويش»، فتى «البروة» الذي حاول الصهاينة محوه، لا طرده فحسب، فإذا به يستأنس منفاه «المنفي ليس حالا جغرافية، أحمله معي أينما كنت، كما أحمل وطني». ويصنع من وروده وأقماره أفقا لحريته ومقصلة للاحتلال، ما اضطر عضو في الكنيست إلى التعبير عن رعبه من اقتراح بتدريس قصائد «درويش»، كان وجهه ينضح بالفزع وهو يصيح: «فقط مجتمع يريد الانتحار يضع شعر درويش في منهاجه الدراسي»! للتواريخ أيضا أسطورتها في حياة «درويش»، فقد وُلِدَ قبل الربيع بأسبوع واحد، كأنه منذور لاستدعائه: «فما نَفْعُ الربيع السمح إن لم يُؤْنِس الموتى، ويُكْمِلْ بعدهُمْ فَرَحَ الحياةِ ونَضْرةَ النسيان؟». ولد في 13 من مارس 1941، ومسقط رأسه قرية «البروة»، وطنه الذي فقده وهو في السابعة، حين احتلتها عصابة «الهاجاناة» الصهيونية في 25 من يونيو 1948، ليخرج مع أسرته، أبيه «سليم» وأمه «حوراء» وأشقائه، إلى لبنان لاجئا، حيث بقي هناك عاما واحدا، عاد بعده متسللا إلى قرية دير الأسد في الجليل، ومنها إلى قرية الجديدة ليكون قريبا من «البروة»، وهناك اكتشف أنه صار بلا جنسية، لأن الاحتلال ـ أثناء غيابه عن الوطن ـ أحصى عرب فلسطين، ورفض أن يمنح جنسيته لمن لم يشملهم الإحصاء. أصبح الصبي من دون أوراق ثبوتية، لكنه لم يبالِ، أولا: لأنه يعرف جيدا أنه فلسطيني، ويعتبرها مسألة لا تحتاج إلى أوراق. وثانيا: لأنه في رحلة اللجوء والتسلل اكتشف الشعر، لا مهارة لغوية، بل طريقا للحياة، ويقول رفاق الطفولة إنه كان يلقي أشعاره في المنتديات وهو صبي بسروال قصير في التاسعة من عمره. من النكبة إلى النكسة، دائما كان يونيو يحمل أنباء سيئة، والشعر وحده هو الملاذ «فالتجأت إلى رصيف الحلم والأشعار». لهذا، وقبل أن يغادر «درويش» فلسطين، بعد هزيمة 1967 أصدر ديوانه «آخر الليل» شاهدا ووثيقة وطن بكل ما فيه من أغنيات ساذجة وحصيفة، ونصرا نادرا وسط حلكة ما جرى، وسببا قويا لكي يبقى الرقم «67» موتورا من شاعر استثنائي، سلب المرارة مرارتها. ومن فلاحي قريته ـ الذين حرروها وضيعها العسكر ـ عرف كيف يمكن بمكر رصين أن يصوغ زمنه الخاص: «لا أحب أن نتقاتلَ على الماضي، ولندع كل واحد يروي سرده كما يشاء، ولندع السردين يجريان حوارًا. وسوف يبتسم التاريخ». رؤية تؤنسن كل شيء، وكلمات باقية أفزعت العابرين في كلامهم العابر، وتركت رقمهم «67» ينتظر «درويش» على ناصية عامه السابع والستين متربصا، لصا يسرق الجسد، بعد أن فشل في أن يلعب دور القاتل المأجور: وهذا الاسمُ لي ولأصدقائي، أينما كانوا، ولي جَسَدي المُؤَقَّتُ، حاضرًا أم غائبًا