11 نوفمبر 2025

تسجيل

هل انقلب السحر على الساحر؟

22 أغسطس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أظهر الأسبوعان المنصرمان ما يبرهنُ على أن العراقيين ضاقوا ذرعاً بالفساد المستشري في أوصال حكومة بغداد، والحق أن المظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في مدن مختلفة من العراق قدمت فرصة ذهبية لمحاسبة حقبة نور المالكي التي تُعد، وفق العديد من المراقبين، الأسوأ منذ سقوط نظام صدام حسين. فالمظاهرات الشعبية خلقت زخما سياسيا مطلوبا ومناخا سياسيا شجّع البرلمان العراقي على إصدار تقرير يُدين فيه نور المالكي ويُحمله مسؤولية سقوط الموصل في العام الفائت، وفي الوقت ذاته أجبر التقرير والمناخ السياسي المصاحب رئيس الوزراء حيدر العبادي على اتخاذ قرارات ما كان من الممكن مجرد التفكير بها. طبعا، لا يمكن تجاهل دور المرجعيات الدينية التي منحت العبادي تفويضا لتصويب الأمور حتى لو كان من شأن ذلك أن يجعل من نور المالكي أقل حصانة في قادم الأيام. والمالكي الذي أصبح فجأة في عين العاصفة لم يكن يتوقع هكذا سيناريو، فهو ما زال يعيش حالة إنكار مرضية، وبالتالي يرفض الاعتراف بأي دور له عن سقوط الموصل ويصر على أن هناك مؤامرة حيكت في أنقرة ثم انتقلت إلى أربيل كانت وراء سقوط الموصل. غير أن نظرة معمقة لديناميكية الفشل العراقي الرسمي تُظهر دورا حاسما للمالكي – رجل إيران الأول في العراق في المرحلة السابقة – في تعطيل المصالحة السياسية بين مكونات الشعب العراقي المختلفة، فمقاربته بالحكم كانت طائفية بامتياز، ناهيك عن إدارة ظهره للنهب الممنهج لمقدرات العراق من النخب السياسية الحاكمة، ما أفقر الشعب. ولا نذيع سرا عندما نقول بأن السياسات الطائفية التي استهدفت السنة وعملت على إقصائهم، سياسيا واقتصاديا، هي التي خلقت البيئة الحاضنة للتطرف، وما كان من الممكن أن تتمدد داعش لو أن الحكومات العراقية المتتابعة كانت ديمقراطية تشاركية تشمل الجميع. ويرى كثير من المتابعين للشأن العراقي أن إقصاء السنة لم يأت بالصدفة وأن يعبر عن إستراتيجية للاستئثار وخلق الفرز الطائفي الذي يسمح لإيران بالتمدد والتوسع والتأثير وهنا مربط الفرس. النتيجة أصبحت بادية للعيان وقد تناولها جين بيريه فيليو – المؤرخ الفرنسي بجامعة سيانس بو في باريس – في كتابه الجديد والمعنون بـ"من الدولة العميقة إلى الدولة الإسلامية" وفيه يركز على أن داعش ما كان لها أن تظهر لولا الدولة العميقة بسوريا ودور العراق في كل مما يجري. وأتفق مع المؤرخ الفرنسي فيما ذهب إليه، والحق أنه ما كان من الممكن لأي تنظيم متطرف أن يجد البيئة الحاضنة بالعراق دون مقاربات المالكي الطائفية والممنهجة. فحتى حلفاؤه لم يعد يخفون هواجسهم من المالكي، واللافت أن الإدارة الأمريكية التي دعمت المالكي لسنوات طويلة تخلت عنه كليا بعد أن ثبت لها بأنه جزء رئيسي من المشكلة ولا يمكن له أن يكون جزءا من الحل. ما من شك أن المالكي الآن يواجه مشكلة كبيرة، إذ إن ملف سقوط الموصل الذي توصلت إليه لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي سيوجه ضربة قاصمة لمستقبله السياسي، ورغم احتشاد نواب كتلة دولة القانون وحزب الدعوة في مطار بغداد لاستقبال المالكي العائد من إيران، إلا أن هناك مؤشرات كثيرة تفيد بأن حيدر العبادي سيكون في الخندق المقابل وستتكون جبهتان متصارعتان داخل حزب الدعوة. فالأمر قد لا يتوقف عند عزل نوري المالكي من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، بل هناك من أنصار حيدر العبادي ممن يمارسون الضغط عليه لتشكيل تيار جديد والانشقاق عن حزب الدعوة أو لنقل لفض الشراكة مع المالكي وأنصاره. فالحزب يشهد صراعا بين جبهتين، واحدة مع حيدر العبادي والأخرى مع نور المالكي. زيارة المالكي لطهران كانت مخططا لها قبل اندلاع الاحتجاجات، لكن المالكي استغل وجودة بطهران لطلب الدعم في سياق صراعه مع حيدر العبادي، غير أن الأخير حصل على تأييد المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وعلى تأييد المتظاهرين الذين ينتمون للطائفة الشيعية في وسط وجنوب العراق. وهناك ما يفيد بوجود خلاف بين علي السيستاني ومرشد الجمهورية الإيرانية علي خامئني قد لا يصل إلى حد القطيعة، فالخميني لن يتحدى السيستاني إلى النهاية والأخير لن يشجع العبادي على إحداث قطيعة مع إيران، وفي النهاية هناك مصالح إيرانية في العراق ربما لن يسعى أي فصيل عراقي مؤثر لضربها. المالكي – وهو من أشد الصقور عداءً لدول الخليج العربي – لم يُفوّت الفرصة، إذ هاجم السعودية وتركيا ودولا عربية أخرى، متهما إياها بالتدخل في شؤون العراق، والمفارقة أنه يطلق هذه التصريحات من طهران التي لا تتدخل في شؤون العراق فحسب، بل تسيطر على اللعبة السياسية بالكامل، فمحاولات المالكي تصدير أزمته إلى الدول المجاورة لن تجد نفعا، فهناك ما يشير إلى أن معركة كسر عظم بين العبادي والمالكي تأخذ شكلها الأولي، ولا يبدو أن المركب يتسع لقبطانين. فنجاحات حيدر العبادي في كسب تأييد علي السيستاني وكذلك الكتل الشيعية الأخرى هو أمر يقلق مضاجع المالكي الذي يتحسس من أي نجاح للعبادي ويرى فيه تهديدا مباشرا على مستقبله السياسي الذي ربطه بالامتثال التام لتعليمات طهران.