11 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق العدوان

22 أغسطس 2011

ثمة خيارات لتوفير رد يشعر الكيان الصهيوني معه بأنه ارتكب حماقة لا تغتفر وضع الكيان الصهيوني السلطة الجديدة في مصر والتي يمثلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مأزق حقيقي بهذا العدوان السافر (دعوني أستخدم لغة الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت) والذي راح ضحيته استشهادا يوم الخميس المنصرم ضابط في الجيش المصري وعدد من جنود الأمن المركزي فضلا عن إصابة عدد آخر في محاولة تتسم بالخبث لوضع المجلس والقيادة العسكرية في مواجهة مع الوضعية الثورية التي تعيشها مصر وتتصدرها مشاعر العزة والكرامة الوطنية وأظن أن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة هذا الكيان يسعى من وراء هذا المنحى العدواني إلى إظهار عجز السلطة الجديدة عن الرد على هذا الاستفزاز وهو ما يجعلها عرضة للانتقاد من قبل القوى والحركات الثورية إلى جانب الأحزاب السياسية المختلفة التي هبت عن بكرة أبيها رافضة للعدوان ومطالبة باتخاذ إجراءات صارمة للرد عليه وإن لم يصل الأمر إلى حد المطالبة بعمل عسكري. إن قادة الكيان يدركون أن المؤسسة العسكرية المصرية مشغولة بهموم الداخل بعد أن أوكلت إليها مهمة إدارة المرحلة الانتقالية ومن ثم لن يكون بمقدورها أن ترد بعمل عسكري على هذا العدوان حتى لو توافرت لها إمكانية القيام بذلك وهو ما يقلص من ثقة الشارع فيها وفق المنظور الصهيوني الذي يهمه بالدرجة الأولى "تفجير" العلاقة بين الشعب المصري وجيشه الذي يحظى باحترامه وتقديره. لقد استعاد الشارع المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عافيته الوطنية والتي كادت أن تطمس على مدى العقود الثلاثة الماضية من حكم الرئيس السابق حسني مبارك والذي كان يوصف بالنسبة للكيان الصهيوني بأنه كنز إستراتيجي بحكم ما قدمه من خدمات له أسهمت في توسيع نفوذه الإقليمي وتحولت مصر في عهده إلى مجرد رقم في المنطقة دون أن تمتلك القدرة على التأثير في مسار الأحداث والتطورات التي كان الكيان يستحوذ عليها على نحو أو آخر ولعلنا نتذكر ردود الفعل السلبية التي كانت تتسم بالهشاشة والضعف والخنوع على أي فعل عدواني صهيوني سواء ضد مصر أو ضد الفلسطينيين أو ضد دول عربية أخرى والتي لم تتجاوز عبارة ضبط النفس بينما كانت الآلة الإعلامية والسياسية لنظام مبارك تتحرك بقوة وفاعلية تجاه تصرفات لا تقبل بها من حركة مثل حماس أو حزب الله. ولاشك أن قادة الكيان الصهيوني بعدوانهم الأخير على جنود المحروسة في أرض الفيروز- سيناء – أرادوا أن يقولوا للسلطة الجديدة والحكام الجدد في مصر والذين أفرزتهم ثورة الخامس والعشرين من يناير: ماذا أنتم فاعلون لنا؟ هل بوسعكم أن تردوا أو تنتقموا؟ خاصة بعد أن وصلت وحدات من الجيش المصري إلى قرب المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة في مسعى للقضاء على الاضطرابات الأمنية التي شهدتها منطقة العريش في الآونة الأخيرة. بالطبع فإن تقدير المؤسسة العسكرية المصرية للموقف لن يستند إلى محددات عاطفية تتفاعل مع مطالب القوى الثورية التي طالبت برد سريع وحاسم وصارم على العدوان الصهيوني ولكنه سيتكئ بالضرورة على قراءة لجوهر الارتباط التعاهدي بين مصر والكيان المتمثل في اتفاقية كامب ديفيد والتي أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد توليه السلطة في أعقاب سقوط نظام مبارك التزامه ببنودها وإن كان البعض من القانونيين المصريين يرى أن العدوان الأخير يشكل اختراقا واضحا لهذه الاتفاقية كما سيتكئ على قراءة للواقع السياسي الإقليمي والدولي فضلا عن أبعاد الوضع الداخلي الذي يمور بالمتغيرات والتفاعلات التي تشكل قوة معنوية دافعة بلاشك لكنها لا توفر الإسناد اللوجستي في حالة اتخاذ قرار بالتعامل عسكريا مع العدوان الصهيوني خاصة في ظل حالة التفكك التي تتسم بها مؤسسات الدولة المصرية في المرحلة الانتقالية مع غياب سلطة سياسية قادرة على تحديد المواقف بوضوح واتخاذ قرارات تتحمل مسؤوليتها وأعباءها. ومع ذلك يمكن القول إنه في حالة استبعاد الرد ذي الطبيعة العسكرية والذي يبدو غير ممكن في المرحلة الراهنة لاعتبارات داخلية وإقليمية تبدو ثمة خيارات أمام السلطة القائمة لتوفير رد يشعر الكيان بأنه ارتكب حماقة لا تغتفر في ظل التزامها باستمرار العلاقات معه رغم الرفض الشعبي وتتمثل هذه الخيارات فيما يلي: أولا: السعي إلى إجراء تغييرات جوهرية في اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان والتي مضى على توقيعها أكثر من ثلاثين عاما وتوفر الكثير من الميزات لمصالح هذا الكيان على حساب المصالح الوطنية المصرية وذلك يستوجب اللجوء إلى خبراء في القانون الدولي يوفرون الحجج والبراهين المطلوبة لإجراء هذه التغييرات خاصة فيما يتعلق بالوجود الدائم للقوات المسلحة وتسليحها في سيناء على نحو واضح لا يجعل هذا الوجود مرتبطا بالتطورات مثل الأحداث الأخيرة في العريش. لقد رفع المتظاهرون مساء يوم الجمعة الماضي أمام مقر السفارة الصهيونية المطلة على نيل القاهرة وجامعتها العريقة شعار" الشعب يريد إسقاط كامب ديفيد "وهو مطلب عادل لكنه يتطلب توافر مقومات غير متاحة الآن لأن إسقاط هذه الاتفاقية يعني بالضرورة إعلان حالة الحرب مع الكيان وهو أمر لا تطيقه مصر في الوقت الراهن ومن ثم فإن خيار تعديل الاتفاقية هو الأقرب للواقع ويمثل في الوقت ذاته ورقة ضغط قوية يمكن توظيفها وفق محددات القانون الدولي بما يخدم المصالح الوطنية المصرية. ثانيا: المسارعة إلى الطلب من السفير الصهيوني إلى مغادرة القاهرة وعدم الاكتفاء باستدعائه لوزارة الخارجية المصرية وفقا لقرارات المجموعة الوزارية لإدارة الأزمة فجر أمس وإصدار قرار واضح بسحب السفير المصري من تل أبيب بدلا من حالة الغموض التي أحاطت بهذه المسألة في ضوء بيان بثه موقع التواصل الاجتماعي التابع لمجلس الوزراء المصري لكن البيان الرسمي للاجتماع المذكور لم يشر إلى هذه الخطوة بل إن مصدرا بمجلس الوزراء المصري أفاد بأن هذه الخطوة تأتي في مرحلة تصعيدية لاحقة إذا ما عجزت الخطوات الحالية عن تحقيق ردع للكيان. إن ما وقع من عدوان على جنود مصر وداخل حدودها يجعل من المنطق أن تطالب حكومتها وفق الأعراف الدبلوماسية والقانونية بالقيام بهذه الإجراءات خاصة أن ثمة ضبابية تبدو في الموقف الصهيوني الذي تعمد أن يظهر الأمر وكأنه مجرد خطأ غير مقصود وأنه لم يكن في نية قواته الإقدام على قتل الضابط والجنود المصريين الخمسة صحيح أن السلطة الجديدة أعربت في بيان رسمي لها الجمعة الفائتة عن احتجاجها على العملية العسكرية الصهيونية بلهجة قوية سواء في بيان المجلس العسكري أو في بيان المجموعة الوزارية لإدارة الأزمة والتي أعلنت أنها في حالة انعقاد دائم لمتابعة تداعيات العدوان وطالبت بإجراء تحقيق شامل بشأنها من قبل سلطات الكيان بيد أن ذلك لم يلب أشواق الوطنية المصرية المتصاعدة بعد ثورة يناير لامتلاك ناصية العزة والكرامة الحقيقية خاصة أن مثل هذا الموقف كانت تنتهجه دبلوماسية وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط ومن ثم فإن الخطوة القوية المطلوبة كحد أدنى في هذا الصدد تتمثل في طرد السفير الصهيوني من القاهرة وسحب السفير المصري من تل أبيب بشكل واضح. ثالثا: الإسراع إلى إلغاء اتفاق تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى الكيان والذي يمثل بكل المعايير إضرارا بالمصالح الاقتصادية للبلاد في ظل الأسعار المتدنية التي كان يحصل عليها الكيان على مدى العقدين الماضيين خاصة بعد أن ثبت أنه لا يوجد بند في اتفاقية كامب ديفيد ينص على ضرورة أن توفر مصر هذه السلعة الإستراتيجية والتي قدمها مبارك لحلفائه في الكيان ضمن منظور ضيق الأفق للمصلحة الوطنية وهو شكل واحدة من أهم قضايا الفساد التي يحاكم عليها لأن التوصل إلى اتفاق بشأنها كان بقرار مباشر منه وفقا لاعترافات وزير البترول السابق سامح فهمي النزيل بسجن طرة ضمن رموز حكم مبارك. وفي تقديري إذا ما تمكنت السلطة الجديدة بمصر من الاستجابة لهذه المطالب فإنها بذلك ستحقق نقلة نوعية في التعاطي مع كيان لا يفهم غير لغة القوة والحسم والردع والتي ليس من الضروري أن تتيحها عملية عسكرية مباشرة ردا على عدوان الخميس الفائت وإنما يمكن لبعض الإجراءات السياسية والاقتصادية والتي تتجاوب مع مطالب الحد الأدنى للشارع المصري الثائر أن تلحق الضرر بمصالح الكيان على نحو يجعله ألف مرة قبل أن يفكر في إعادة إنتاج عدوانه على المحروسة. السطر الأخير: في حضرة من أعبد أشواقي لفيض الرحمة لا تتوقف فأرجوك يا ربي امنحني عفوك ورضاك أسكنني بحدائق عافيتك ارزقني الفناء فيك ادفع أنوارك لتزيح العتمة من قلبي هبني من لدنك إشراقا يسكن دربي أنا عبد التهمته دنيا فانية أبعدته عن سبلك لكني الآن أدعوك فلب [email protected]