19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حظي الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا باهتمام بالغ لدى العرب، وبدا واضحا أن هلعًا كبيرا دب في أوصال النخب المهمشة (التي ترعاها أجهزة المخابرات) وأنصار العسكرة والحكم المستبد وشبيحة الأسد في عالمنا العربي عندما تجلت عبقرية الشعب التركي في رفض الانقلاب العسكري بل وإفشاله، وبذلك يثبت الأتراك أن تجربتهم الديمقراطية راسخة وفيها درجة عالية من الاستعصاء على كل أشكال الانقلابات العسكرية. لن أخوض في سبب فشل الانقلاب العسكري وانحياز الشعب التركي للديمقراطية والحكم الرشيد اللذان أسهما بشكل كبير في انتشال تركيا من الفقر، ولا في البناء النفسي الناضج للأتراك، ويكفي هنا إلى أن أشير إلى أن المجموعة الانقلابية افتقدت للشرعية الأخلاقية والسياسية وأخفقت في مواجهة شعب مُصرّ على العض بالنواجذ على مكتسبات الديمقراطية. لكن هالني موقف العرب مما جرى في تركيا، وهنا لا أقدم سوى انطباعات كونتها نتيجة لمتابعتي لما كٌتب في أبرز الصحف العربية ومن خلال إطلالتي المتواضعة على وسائل الاتصال الاجتماعي وبخاصة على تويتر. وبشكل عام يمكن القول إن العرب انقسموا إلى فريقين: الفريق الأول وهو التيار السائد رفض الانقلاب. هذا لا يعني أن هناك إيمانا كبيرا بالتجربة الديمقراطية لدى غالبية هذه التيار، فهناك من وقف ضد الانقلاب نصرة للرئيس أردوغان وما يمثله من خط سياسي إسلامي في حين أن هناك من يختلف مع أردوغان ووقف مع حق الأتراك في حماية تجربتهم الديمقراطية في وجه العسكرة، وهذا الفريق بشكل عام لا يحبذ التأثير بالتداعي لأنه لو نجح الانقلاب وتعامل معه الغرب ببراجماتية شديدة كما هي العادة فإن المنطقة ربما تشهد انقلابات مماثلة.الفريق الآخر لا يشكل فريقا واحدا متماسكا، فهناك من بين أنصار بشار الأسد وإيران وحزب الله والرئيس بوتين من هللوا للانقلاب لأن من شأن نجاحه أن تخرج تركيا من معادلة الصراع في سوريا لصالح نظام الأسد وهو النظام الذي تعتبره غالبية العرب – وفقا لكل استطلاعات الرأي العلمية – بأنه نظام سفاح يجب أن يرحل. وهناك من هم من أنصار تحالف الفساد والاستبداد في عدد من الدول العربية هم بشكل عام طغمة مهمشة موجودة في الإعلام الرسمي ومن بين السياسيين الذي ترعاهم أجهزة مخابرات معروفة بعدائها لخيارات الشعب على اعتبار أن الشعوب غير مؤهلة لحكم نفسها وبالتالي لا بد من الوصاية على هذه الشعوب.بالمجمل انهزم تيار مؤيدي الانقلاب في العالم العربي ومالوا إلى تبريرات هشة لا تغير من جوهر المسألة وهي أنه في وقت حرج انحاز قسم للديمقراطية وقسم آخر لخيار الانقلابات والعسكرة. وهنا لا عزاء للانقلابيين ومؤيديهم في العالم العربي لأن نجاح الأتراك في الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية قد تكون المحرك للشعوب في المنطقة للحفاظ على الأنظمة الشرعية.كتبت وغيري في غير مكان عن أن هناك من الأنظمة العربية من تريد نهاية لتجربة أردوغان، فهو رئيس ناجح في الملفات التي تهم الشعب التركي وهنا الحديث عن التنمية والازدهار. والأهم بالنسبة لنا هنا في العالم العربي أن الأتراك قدموا أنموذجا للديمقراطية تخشاه الأنظمة العربية (التي لم تحقق إنجازات في التنمية ومعالجة الفقر والبطالة)، وهو نموذج يعري هذه الأنظمة أمام شعوبها التي باتت تدرك بأن جزءا كبيرا من مأساتهم مرتبطة بغياب الحكم الرشيد وتغييب الشعب عن المشاركة في القرار السياسي.بتقديري أن محاولة الانقلاب كانت امتحانا عسيرا سقط فيه الكثير من النخب التي ارتبطت ارتباطا تبعيا غير نقدي بأجهزة المخابرات في عدد من الدول، فهذه النخب لم تتبع تحليلا علميا ولم تقدم تفسيرا منطقيا واحدا لدعم الانقلاب! فرأينا كيف أن أستاذا في العلوم السياسية في إحدى الجامعات (غير المرموقة طبعا) يدافع –وإن كان بمنطق ضعيف– عن انقلاب عسكري. والمفارقة أن هناك من بين من دافعوا عن الانقلاب أو غضوا الطرف عن إدانته يطالبون في بلدانهم بإصلاحات سياسية! وقبل أن أنهي لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن نجاح أردوغان وانتصاره على خصومه جاء فقط لوجود قاعدة شعبية استند إليها، وهنا الدرس الأهم الذي على الجميع استبطانه وهي أن نظام الحكم الذي لا يستند إلى قاعدة شعبية مؤمنة به لا يمكن له أن يصمد أمام رياح التغير إن هبت، التجربة المصرية مثال على ذلك!