14 سبتمبر 2025
تسجيللم تكد تمر دقائق على انفجار سيارة مفخخة أمام مسجد (المؤيد) في منطقة الجراف بالعاصمة صنعاء يوم الإثنين من هذا الأسبوع حتى أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن العملية التي وصفها البيان بأنها إحدى العمليات النوعية ضد الحوثيين، وكان تنظيم الدولة الإسلامية فرع اليمن قد تبنى تنفيذ عدد من عمليات القتل والتدمير، منها تفجير مساجد بصنعاء بتاريخ 20-3-2015 وقتل 15 جنديا بتاريخ 30-4-2015 في محافظة شبوة القريبة جدا من حضرموت معقل تنظيم القاعدة، وهي عمليات عدها المراقبون إعلانا رسميا بدخول اليمن المرحلة الداعشية التي ستحول مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع من قوى انقلابية صادرت حلم اليمنيين في التغيير السلمي والدولة المدنية إلى قوى تحارب من تصفهم بالدواعش والتكفيريين بغية الظفر بدعم القوى الكبرى التي تقود تحالفا لقتال تنظيم داعش في سوريا العراق.نجح الرئيس المخلوع في استنبات تنظيم القاعدة وجعله فزاعة كسب من ورائها الأموال الطائلة من دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية التي ضخت مئات الملايين من الدولارات من أجل تجهيز قوات خاصة لمكافحة الإرهاب، ولكن علاقة صالح بالإرهاب ظلت محل شك إذا كيف يمكن لرئيس دولة أن يكون ضالعا في نسف الأمن في بلده حتى كشف مخبر القاعدة في التحقيق الاستقصائي الذي بثته قناة الجزيرة بشكل شبه مؤكد العلاقة الوطيدة بين تنظيم القاعدة وجهاز الأمن القومي، أهم مؤسسة استخبارية يتولى رئاستها ابن أخ الرئيس المخلوع صالح، حيث كان التنظيم يقتل ويخطف الدبلوماسيين ويعيث في الأرض فسادا بأوامر من القصر الرئاسي.وبعد تكشف كثير من خيوط اللعبة، يبدو أن مرحلة ما بعد القاعدة بدأت وذلك بعد تصريح الرئيس المخلوع من فوق أطلال منزله المدمر في شهر مايو الماضي بأن المعادلة ستتغير، وذلك ربما استنادا إلى ورقة داعش التي يراد لها أن تكتسح أخبار بصماتها الإجرامية الشارع اليمني ودوائر الاستخبارات العالمية، من خلال تفعيل أدوات القاعدة المخترقة لرفع راية داعش السوداء وتسويق عملياتها بعد أن أصبح قاسم الريمي الذي يرتبط بعلاقة ما مع الرئيس المخلوع أميرا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلفا لناصر الوحيشي الذي تم التخلص منه بسبب معارضته التنسيق مع داعش. عندما بدأت المقاومة الشعبية ووحدات من الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي تحقيق بعض التقدم على الأرض، خاصة في مدينة عدن، سارعت مليشيا الرئيس المخلوع والحوثيون إلى تكثيف حملاتهم الدعائية ونشر صور تظهر مجموعة من المسلحين يرفعون علم داعش ويقتلون ويمثلون بالجثث في شوارع عدن، لخلق انطباع داخلي وخارجي أن داعش هي من تقاتل مليشيا الحوثيين وصالح في عدن وتعز والضالع ومأرب، بينما يبسط تنظيم القاعدة سيطرته على مناطق واسعة في حضرموت ولم تتحرك مليشيا الحوثي وحلفاؤها للقتال رغم أن بيان نعي تنظيم القاعدة لقائده يشير إلى أن التنظيم منشغل في القتال ضد الحوثيين في أكثر من 12 جبهة وهي إشارة عدها المراقبون دعما قاعديا غير مباشر لجعل مزاعم الحوثيين وحلفائهم صحيحة بأنهم يقاتلون تكفيريين ودواعش.تتالى الضربات الموجعة على الرئيس المخلوع واحتراق كرته في المعسكر الخليجي وبالأخص المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها مصممة على طي صفحة صالح تماما، وفي مقابل ذلك يرى الحوثيون أن التحالف معه لم يعد خيارا إستراتيجيا، ذلك أن ما تكشف من تاريخ الرجل المليء بالفساد وإدمان الإجرام ورغبته في عودة قوية إلى السلطة يشكل عبئا ثقيلا على حركتهم التي حصلت على وعود من الأمريكيين بأن تكون رقما مهما في أي تسوية سياسية قادمة، خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني وانعكاس ذلك على الملفات الساخنة في المنطقة العربية.هذا الوضع البائس بالنسبة لعلي صالح جعله يعتمد الصراع الطائفي المذهبي كسلاح جديد لتدمير النسيج الاجتماعي وخلط الأوراق على كل الخصوم، بحيث يبقى هو اللاعب الوحيد الأقوى، مقارنة بحالة التداعي والانهيار لقوى ما قبل السيطرة على صنعاء، ولذلك فإن الأجهزة الاستخبارية التي لا يزال نحو 50% من منتسبيها يدينون له بالولاء، تنشر خلاياها التي تضم شخصيات دينية متطرفة لاستقطاب شباب يائس أقل تعليما وفرصا في الحياة وتغدق عليه الأموال من أجل "قتال الروافض والمجوس" في خطوة ترمي لخلق أجواء تناحرية في أوساط المقاومة الشعبية وسحب البساط من تحتها بعد أن أصبحت الآن أكثر تنظيما وتسليحا وفاعلية. تجربة داعش في سوريا والعراق وما حققته من نتائج جعلها خيارا معتمدا في اليمن، فعندما برز تنظيم داعش في العراق تحولت الحكومة الطائفية المتهمة بمصادرة حقوق طوائف أخرى إلى حكومة وطنية، بينما أصبحت ساحات الاعتصام والمظاهرات السلمية المطالبة بأبسط حقوق الإنسان في أغلب محافظات العراق وكرا للدواعش وأنصارهم يجب التخلص منهم، وفي سوريا تحول نظام الأسد من مجرم استخدم الغازات السامة ضد شعبه إلى نظام يحارب الإرهاب، الأمر الذي جعل دولا تتخوف من رحيل الأسد، لأن البديل هو الكارثة عينها، لذلك فإن بقاء الحوثيين كخيار أو رهان علي صالح كقوة يقتضي "دعشنة " اليمن.