14 سبتمبر 2025
تسجيلعدم الصراحة مشكلة يجب أن نعترف بها لنعالجها فتلك مشكلة كبرى تقف سداً منيعاً للتقارب الحقيقي ، وحاجزاً حصيناً ، يجب أن نعترف بها ، للعلاج وليس للإثارة ، يذكر فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه : مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية : (ومن مبادئ الحوار الإسلامي الإسلامي أن يصارح بعضنا بعضا بالمشاكل القائمة، والمسائل المعلقة، والعوائق المانعة، ومحاولة التغلب عليها بالحكمة والتدرج والتعاون المفروض شرعا بين المسلمين بعضهم وبعض. فليس من الحكمة أن نخفي كل شيء، أو نسكت عنه، أو نؤجله وندعه معلقا دون أن نجرؤ على إثارته أو الكلام فيه؛ فهذا لا يحل مشكلة، ولا يقدم علاجا، أو يقرب بين الفريقين خطوة واحدة) وبناءً على ذلك فيجب علينا أن نبرز بين العلماء أصول الخلاف ومسائله المهمة بين أهل العلم ويتم التحاور الجاد للعلاج المناسب ، وليس للإفحام والإلزام . ومن هنا فالخلاف بين السنة والشيعة ليس في الفروع الفقهية التي يعدّ الخلاف فيها من الخلاف المشروع والتنوع والثراء ، ولا في القضايا السياسية العامة مثل قضية فلسطين – ما عدا قضية سورية المختلف فيها – وإنما الخلاف في الأصول وفي المواقف الأساسية من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ، والخلافة والإمامة والوصاية والعصمة ، فمثلاً إن الإيمان بالإمامة ركن من أركان الدين لدى الشيعة ، وليس ركناً ولا شرطاً عند أهل السنة والإباضية والزيدية ، وبناءً على ذلك فهل الذي يؤمن بها يكون كافراً مثلاً ؟. فهذه الأمور يجب أن نضع لها حدوداً وخطوطاً بالحكمة والحوار بالتي هي أحسن حتى لا تؤدي إلى إثارة الفتنة . يجب علينا – نحن العلماء – أن نكون صرحاء حكماء لأنه بدون الصراحة لا تحل المشكلة ، وبدون الحكمة لا يكون العلاج صحيحاً وناجعاً ، بل إن إخفاء الحقائق يضر بالتقارب ولا يخدم القضية بشيء ، كما أن التسرع والتعجل وعدم الحكمة في العلاج سيكون ضرره أكثر من نفعه . إن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد شددت في نطاق التكفير ، ولم تسمح بإطلاق كلمة الكفر إلاّ لمن أنكر شيئاً من الثوابت القطعيات التي علمت من الدين بالضرورة ، وإلاّ باء الكفر على من أطلقه ، وذلك لأن إطلاق الكفر على الأفراد والجماعات يعتبر من أخطر أدوات التدمير لبنيان التقارب بين المسلمين وفرقهم ومن أشدها فتكاً بالوحدة الإسلامية المنشودة ، وأكثرها أثراً في إبقاء الأمة ممزقة مفرقة مهمشة مشغولاً بعضها ببعض . ومن الجانب العلمي والعملي فإن الحكم بالتكفير لأهل القبلة يجب أن يخضع لتحقيق القضاة الذين يبحثون عن الأدلة ، وليس من عمل الدعاة الذين من المفروض أن يبحثوا عما يجمع الأمة ولم شملها لا أن يفرقها أو يمزقها ، ولذلك تصدى الأستاذ حسن الهضيبي ( المرشد الأسبق للإخوان ) لشباب جماعة التكفير والهجرة - وهم مع الأستاذ كانوا في السجن - فكتب كتابه الشهير ( نحن دعاة لا قضاة ) .ويجب علينا التعاون في الأمور المتفق عليها ، والتسامح فيما اختلف فيه : حيث صاغ الشيخ محمد رشيد هذه القاعدة الذهبية بلفظ ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) .ولا يجوز أن يمنع الخلاف الإنصاف وهذه القاعدة دلت عليها آيات كثيرة منها قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ولذلك يجب على كل جماعة أن تذكر أيضاً محاسن الجماعة الأخرى وإيجابياتها . كما يجب عدم النقل عن الآخر إلاّ ببيّنة : حيث لا يجوز النقل عن الآخر إلاّ ببينة ومن مصادرهم المعتمدة لدى جمهورهم ، وذلك لأن معظم المشاكل تأتي من نقل رأي أو مذهب من غير مصادره المعتمدة .ومن المهم ترويض النفس وتدريبها على قبول الرأي الآخر: وهذا من أهم الوسائل التي تمنع الفتن والشرور ، وتجعل الإنسان لا يثور ولا يُثار .