11 سبتمبر 2025

تسجيل

"الديمقراطية الغربية" من انفصام الشخصية إلى الجنون الكامل!

22 يونيو 2023

الجدل المستعر في أمريكا الشمالية وأوروبا وكثير من الدول، حاليا، بشأن محاولات البعض فرض أفكار غريبة على المجتمعات، منها حرية الشذوذ مثلا، يعبر عن أخطر قضية تواجه البشرية في هذا العصر، وسأعود إليها بالتحليل باستفاضة لاحقا، لكن إكمالا للحديث عن أن النظام العالمي الحالي الذي أنتجه "سلام ويستفاليا" استهدف إلغاء الدين من حياة الشعوب، متلاعبا بالأفكار والمسميات ومنها الديمقراطية، أقول إن ذاك الجدل هو تجسيد واضح لهذه الفكرة. وصلنا سابقا إلى نتيجة شهد بها كثيرون بأن الديمقراطية غير قابلة للتطبيق، معللين ذلك بمسائل إجرائية وتنظيمية عرضنا لها فيما سبق. لكن البحث المتأني يكشف أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم صلاحية الفكرة من الأساس. ذلك أنها تأتي من فكر وضعي بشري لا يحقق المصلحة الحقيقية، مهما بلغت حدته ودقته، مقارنة بالفكر المرجعي أو الوحي الإلهي. ذلك أن الذين وضعوا فكرة الديمقراطية بنوها على أساس هدم الفكر المرجعي بهدمهم للدين كله وتشويهه. فكان هدم الدين، رسميا بفصله عن الدولة، وابتداع أنظمة للحياة والحكم تخلو من الفكر الديني. أما تشويهه فكان بالانتقاص من مقدساته ورموزه، ما أدى إلى حالة من انفصام الشخصية والخواء الفكري والروحي. هذا الفصام عانى منه الأوروبيون خاصة ومعهم سكان العالم الجديد، مع تعدد الأفكار وتناقضها من وقت لآخر. كما عاني منه المسلمون نسبيا في فترات لاحقة، وبدرجات متزايدة، كلما زحفت ثقافة تلك القوى الاستعمارية على البقاع الإسلامية مع فرضها أنظمة علمانية موالية لها. وفي مقارنة الفكر المرجعي مع الفكر الوضعي نجد أن سيكولوجيا العلوم السياسية تخبرنا أن العامل الشخصي يحدث فارقا كبيرا في تصور وتنفيذ الأفكار والسياسات. ففي إطار الفكر المرجعي المستمد من الوحي ستجد أن الأسس المطلوبة للحكم متوفرة بوضوح ولا يبقى إلا تنفيذها. فمهما اختلف المنفذ لن يكون الفارق إلا في لمسات شخصية لا تغير من جوهر المنتج. تماما مثل مهندس تخطيط يصمم مشروعا على الورق، فلو نفذه أكثر من مهندس سيخرج المشروع بنفس الصورة التي رسمها، ولن يتغير الشكل العام كثيرا. أما في حالة الفكر الوضعي فإن التصميم من أوله سيختلف بالكلية من مفكر الى آخر. وعند التنفيذ ستحدث اختلافات كثيرة أيضا تضيع معها التصورات وتطيش معها الأفكار. بالنتيجة يصبح الناس تائهين كما نرى بأعيننا في الغرب، الذي وصلت مكوناته إلى مرحلة تشبه الجنون في تعاطيها مع المسلمات، لدرجة أنه بات من الصعب عليهم، مثلا، تعريف ما هو الرجل أو المرأة. جنون يبيح الكفر بالإله ويحرم الكفر بالشذوذ. إذن فمسألة هدم الدين لم تقف عند حدود وقف العمل به في مستوى النخب بل إن مشروعهم الاستعماري تطلب أيضا أن ينتهي الدين في المجتمع. وبما أن الدين هو النظام الذي تتبعه المجتمعات لتسيير حياتها بحسب أحد تعريفاته المعجمية فقد لجأت تلك النخب إلى استحداث أنظمة حياة تستبدل بها الدين. فنتج عن ذلك كل الأفكار التي راجت وانتشرت منذ أواخر القرن السابع عشر أي بعيد تطبيق "سلام ويستفاليا". وكان منها الليبرالية والماركسية، والحداثة، وهكذا. فبات كل مجتمع يتخذ من فلسفته أو منهجه السياسي دينا لتسيير حياته، حتى صار الإلحاد دينا والشذوذ كذلك. وهذا أمر نبه إلى خطورته خبير العلوم السياسية الأمريكي جيمس ليندسي في كلمة بالغة الأهمية أمام البرلمان الأوروبي أخيرا، محذرا من حركة شرسة لتعميم الأفكار الماركسية بتطوراتها المختلفة، كدين جديد للبشرية. ويجدر الانتباه هنا أن فكرة إنهاء دور الدين في السياسة والمجتمع سارت يدا بيد مع فكرة التوسع الرأسمالي ونهب ثروات العالم فزيادة رأس المال تحتاج أسواقا متزايدة ومتجددة بلا توقف وهذا يحتاج بدوره إلى مجتمع "استهلاكي" لا يكترث بالدين، الذي يضبط التصرفات وفق معايير لا تقبلها الرأسمالية. وبتدقيق النظر سنجد أن نظام ويستفاليا وما تبعه حتى اليوم يبدو كمشروع واحد متصل المراحل، منذ البدء بإنهاء الدين في السياسة ثم المجتمع مرورا بتحويل البشر إلى مجرد آلات استهلاكية أي أشياء وصولا إلى انترنت الأشياء، ونحوه. وللحديث صلة.