15 سبتمبر 2025

تسجيل

تحصلون على لبن الطير ولا تحصلون على حوار!

22 يونيو 2014

في السودان ينفرد السيد الصادق المهدي، زعيم طائفة الأنصار، ورئيس حزب الأمة، أكبر الأحزاب السودانية، ينفرد بخاصية الصبر على تجاوزات نظام الحكم القائم في السودان منذ ربع قرن من الزمن، والذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري ضد السيد المهدي شخصيا في صبح يوم الجمعة، الثلاثين من يونيو 1989. وبالرغم من زجه في السجن مرات عديدة، ومصادرة ممتلكاته وممتلكات حزبه، دوره ومركباته وأرصدته، وبالرغم من الحملات الإعلامية القاسية والإهانات التي ركزت ضد السيد المهدي، إلا أن السيد المهدي أظهر صبرا وتمسكا بروح التسامح حيال النظام بصورة لم يتفهمها حتى أقرب الأقربين إليه من قيادات حزبه وكبار معاونيه الحزبيين، وجعلت بعض جماهير حزبه تخرج عن طورها في حالات كثيرة وتضيق قلوبها التي في الصدور وهو سلوك نادر في تعامل جماهير الأنصار مع زعاماتها الروحية، إلا أن تلك الجماهير الأنصارية الغاضبة وجدت نفسها أنها ما عادت قادرة على تفهم وفهم سلوكيات التسامح المفرط الذي يسير عليه زعيمها الروحي، فجاهرت بالهتاف والصراخ في وجهه واصفة النظام بالشيطان، وذلك التسامح تفريطا وتماهيا لا يليق مع نظام مزق حزبها شذر مزر. الإمام المهدي، من جانبه، لم يتفهم ثورة جماهيره، ورد عليها بغضب غير مسبوق بجملة حادة نالت نصيبا من الاشتهار والسخرية " الماعاجبو الباب يفوت جمل".ردة فعل من هذا النوع عادة لا يذهب إليها السياسيون في التعامل مع جماهيرهم، لأنهم يدركون أن الجماهير تستطيع إصدار أحكام سريعة النفاذ دون انتظار. ولكن الإمام ذهب في ذلكم الشوط بانفعال شديد ونادر، لما عرف عن الرجل من سعة في الصدر وعفة في اللسان، أثناء وجوده في السجن أصدر المكتب السياسي لحزب الأمة قرارات سياسية حادة احتجاجا على الاعتقال غير المبرر، منها الانسحاب من الحوار مع النظام، والعودة إلى ممارسة نشاطه في منظومة المعارضة المسماة قوى الإجماع الوطني، وإعلان التعبئة الجماهيرية وسط أنصاره في العاصمة والأقاليم استعدادا للاشتراك في أي حراك شعبي ثوري يستهدف النظام. كثير من المراقبين أخذوا قرارات المكتب السياسي بشيء من الحذر، ولفتوا إلى أن التسامح وطيب الخاطر هي مترادفات متجذرة في روح ووجدان أمام الأنصار بصورة لا يمكن أن تعلو عليها ردات فعل غاضبة وقتية، بمثل ما يعتور السلوكيات الشعبية في الشارع العريض. وبالفعل لم تخب تقديرات أولئك المراقبين، أول ما نطق به (إمام الصابرين) هو قوله إن الحرب هي البديل للحوار، وهو لا يريد الحرب، لم يستنكف الإمام من أن يسأله سائل متى توقفت الحرب، ولم يبد السيد الإمام أي قدر من الغضب أو الاحتجاج ضد الحكومة حين دمغه برلمانها بالخيانة والعمالة للخارج والإساءة إلى القوات المسلحة. رغم أنه إن كان من إساءة للقوات المسلحة فهي التي وجهها لها العميد حميدتي، قائد مليشيا الجنجويد التاريخية التي غير اسمها إلى قوات الدعم السريع الذي قال مخاطبا جنوده المتفلتين إن الحكومة ما (عندها جيش، ولما تعمل ليها جيش تجي تتكلم معانا!) ليس أعنف ولا أبلغ من هكذا إساءة من العميد حميدتي القائد الميداني لمليشيا الجنجويد وليس من أمام الأنصار. أما عندما يقول العميد حميدتي بلغته الدارجة: (الحكومة دي بلفها عندنا، نقول اقبضوا الصادق المهدي ينقبض الصادق المهدي، زول ما بحارب ما عندو كلام، عندما يقول السيد حميدتي هذا الكلام الفكه يكون قد جاب الحكاية من الآخر: زول ما بحارب ما عندو كلام. صحيح ما قال المدعو حميدتي، فقد ظل يحارب أهل دارفور العزل ويقتلهم ويحرق قراهم خلال عقد كامل من الزمن. وبدلا من جلبه إلى ساحات العدالة الدولية، جرت محاولة من قبل وزارة الخارجية لتسويقه في شكل مؤتمر صحفي، ولكن ليست كل الدول نعسانة سياسيا، فقد منعت الدول سفراءها من الاجتماع بهذا الآدمي الخفيف - تحسبو لعب!